اية منصور /
تستمر مجلة “الشبكة العراقية” بفخر وحب كبيرين، باستعراض المكتبات العراقية المتوهجة بالعطاء الأدبي والثقافي في الشارع العراقي، وتنتقل بزهو بين أزقة الكتب ودرابين المعرفة من مكتبة بمثابة الجَدّة، لمكتبة حفيدة. وفي عددنا السابق تحدثنا عن المكتبة العصرية التي تبلغ من العمر أكثر من ثمانين عاماً، واليوم سنتحدث عن مكتبة لم يتجاوز عمرها الخمس سنوات لكنها استطاعت، وبقوة، دخول مضمار الكتب والنجاح فيه، هي مكتبة قناديل، المكتبة التي تضيء الحياة بالكتب.
حصون العقلاء
يبدأ السيد حسين مايع حديثه عن مكتبته قناديل بعبارة: “الكتب حصون العقلاء التي يلجأون إليها وبساتينهم التي يتنزهون فيها كما يصفها (ابن طباطبا العلوي)”، مؤكداً لجوءه إلى الكتب كحصن منيع من الجهل والتخلف، للتنزه داخلها كبستان يقطف منه ثمار المعرفة.
“دخلت هذا العالم الواسع سائحاً كأي طفل يرافق أهله في عالم لا يعرف منه إلا الشيء اليسير، فكانت خطواتي الأولى في شارع المتنبي طفلاً صغيراً برفقة أخي الأكبر، وحينها كنا في المدرسة، ونقرأ في هذا العمر سلسلة أعلام العرب التي كانت موجهة لأعمارنا، فعرفت شيئاً عن الجاحظ وزرياب والفراهيدي والتوحيدي وغيرهم الكثير، ثم متجولاً وقارئاً في دور نشره ومكتباته العريقة، أبحث عن ما يسد رمقي الثقافي في مرحلة الصبا فأبحث عن ما يستهويني من الكتب التي تثير التفكير وتنمي المعرفة، قرأت حينها مؤلفات الدكتور علي الوردي، فاستهوتني لما فيها من تبسيط في الأسلوب وطرح مشوق ومختلف، وفي مرحلة الشباب كانت الجامعة حيث ازداد اطلاعي على عالم الكتب”.
من أنشأ المكتبة؟
السيد مايع، وقبل تأسيس المكتبة كان داخل الوسطين الأكاديمي والثقافي طالباً وقارئاً، ولم يكن بعيداً عن عالم الكتب، إلا أن نقطة التحول التي شجعته على فتح مكتبته، وكما يخبرنا، قبوله في الدراسات العليا، واحتياجه للمصادر والمراجع التي جعلته على صلة وثيقة بالكتاب وأهله.
“توثقت علاقاتي بأصحاب دور النشر والمكتبات في شارع المتنبي والمعارض التي كنت أجد فيها ضالتي، وجمعت من هذه الزيارات مجموعة كبيرة من الكتب”.
واستهوته فكرة الحضور الدائم في شارع المتنبي والعيش مع الكتب، فكانت قناديل، وأصبح ذلك العام ٢٠١٥ في أحد أزقة شارع المتنبي بمكان ليس ببعيد عن مكانها الحالي، ولتكون قناديل بهذا الاسم وهذا الألق.
“عندما عزمت على افتتاح المكتبة استشرت مجموعة من الأصدقاء عن الاسم، فكانت الاقتراحات كثيرة ومنها (قناديل) الذي اقترحته إحدى الصديقات، والاسم ليس غريباً ولا بعيداً عن عالم الكتب، فالقنديل تعني في اللغة العربية السِراج أو المِصباح، وليس شيئاً أقرب إلى وصف المعرفة من المصباح والسراج اللذين يضيئان طريق الإنسان إلى المعرفة”.
رواد دائميون
كانت النواة الأولى للمكتبة خليطاً من كتب دور النشر العراقية التي اشتراها الكتبي حسين مايع، وكتباً مصرية استوردها من القاهرة.
“إضافة إلى هذه الكتب، وضعت كتبي وكتب شريكي وسام، وكانت معظمها من الكتب الأكاديمية والتاريخية على وجه الخصوص، بحكم تخصصنا في حقل البحث التاريخي”.
ومنذ اليوم لافتتاح الدار زارهم عدد كبير من الأكاديميين والمثقفين، ومنهم أساتذة وزملاء الجامعة، وكثير من الأصدقاء في الوسط الثقافي، فضلاً عن زوار شارع المتنبي من العرب والأجانب، لا يتسع المجال لذكرهم جميعا فهم كُثر كما يؤكد لنا السيد مايع.
“ازداد عدد الأصدقاء ورواد المكتبة يوماً بعد يوم وكسبنا ثقة الآلاف من القراء الكرام”.
أربع سنوات من الحب، تعادل المئة
أحداث كثيرة مرت في مسيرة المكتبة برغم قصر عمرها الذي بلغ قبل أسبوع أربع سنوات فقط، ولكن الحدث الأبرز في مسيرتها هو تحول المكتبة إلى دار نشر بعد أشهر قليلة من الافتتاح، إذ يذكر لنا السيد حسين بعض هذه العناوين بالقول:
“منذ اليوم الأول لانطلاق مكتبة قناديل كان في جدول عملها خوض غمار النشر، فدخلت قناديل هذا العالم منذ الأشهر الأولى، بحثاً عن موطئ قدم لها بين دور النشر العراقية والعربية. فكان لها ما أرادت وهي الآن في سنواتها الأولى وقد سجلت حضوراً متميزاً” مضيفاً:
“ما زال الدرب طويلاً وفي جعبة الدار الكثير، نشرنا إصدارنا الأول في أواسط العام ٢٠١٦ وكان الكتاب بعنوان (السياسة الأمريكية تجاه مصر ١٩٤٥ – ١٩٥٢) لرئيس قسم التاريخ بكلية التربية ابن رشد للعلوم الإنسانية/ جامعة بغداد، الأستاذ الدكتور ظاهر محمد صكر الحسناوي”.
الرصانة هي الأساس
تحتوي مكتبة قناديل آلاف الكتب، ومنها إصدارات الدار، وإصدارات المركز الأكاديمي للأبحاث – كندا، وإصدارات دار شهريار – البصرة، التي توزعهما الدار، وفي الدار فضلاً عن ذلك آلاف العناوين من إصدارات دور النشر العراقية والسورية واللبنانية والمصرية، ناهيك عن الكتب القديمة والنادرة التي تشغل حيزاً مهماً من الدار”. ويشير (مايع) إلى أن كتبهم:
“توزعت إصدارات الدار في حقول المعرفة الإنسانية المختلفة، ولكن رابطها المشترك هو الرصانة العلمية بعيداً عن الكتب التجارية والمستهلكة والموسمية، فإصداراتنا سواء أكانت تأليفاً أو تحقيقاً أو ترجمة، توزعت على مجالات الفلسفة والفكر والتاريخ والأدب وفروع هذه المجالات المختلفة، وقد بلغت إصداراتنا اليوم أكثر من 160 إصداراً، ونطمح بالمزيد”..
ومن الرموز الأكاديمية التي نشرت لها مكتبة قناديل، كانت للمؤرخ العراقي الراحل الأستاذ الدكتور صالح أحمد العلي – رئيس المجمع العلمي العراقي الأسبق-، والمؤرخ العراقي الدكتور إبراهيم خليل العلاف، والمحققة نبيلة عبد المنعم دواد، وشيخ المترجمين العراقيين محمد كاظم سعد الدين، والأديب الدكتور سلمان كيوش، والمؤرخ الأستاذ فايز الخفاجي، وغيرهم الكثير من أعلام الثقافة وحملة العلم.
ومن اصداراتهم المهمة التي أثارت جدلاً واسعاً هو كتاب (المراقد المزيفة في العراق).