مياه ومواد ملوثة تباع علنا في أسواقنا

 وائل حمد /

انتبه قد تصاب بالسرطان.. هي عبارة تتناقل ضمنيا بين العراقيين حول خطورة بعض المنتجات والأغذية التي تباع بشكل علني في الأسواق المحلية.

الجملة الخطيرة عن احتمالية قتلك بالمرض الخبيث لاتجدها دائما مكتوبة بـ”عبارة تحذيرية” على واجهة معلبات أو مواد تجميل، واحيانا لاتصلح ان تكتب على مسببات أخرى للمرض، مثلا ان يكتب “مياه دجلة تسبب لك الاصابة بالسرطان”! أو “هواء العراق احد اسباب اصاباتك بأمراض خطيرة”!

أما في لغة الأرقام، فالأمر اكثر رعبا. تقارير طبية اطلعت عليها “مجلة الشبكة” تؤكد اصابة الالاف من المواطنين بامراض سرطانية خلال السنوات العشر الأخيرة، مات منهم المئات في الفترة نفسها.

اغلب الاصابات لدى النساء، وابرز انواع السرطانات “سرطان الثدي”، فيما تحتل البصرة المركز الأول في عدد الاصابات، حيث يستقبل المستشفى الوحيد في المحافظة عشرات الإصابات. بالمقابل يستقبل مستشفى الاشعاع والطب الذري في بغداد، 12 الف حالة سنويا.

احذر الماء والهواء

يقول مختصون في مجال البيئة أن كميات كبيرة من الملوثات البيئية المسرطنة والمسببة لأمراض عديدة تلقى في مجرى نهر “دجلة”، من بينها النفايات الطبية، ومياه الصرف الصحي.

ويقول احمد العبادي، ناشط في مجال البيئة، لـ”لمجلة الشبكة”: “يرمى في مياه نهر دجلة يوميا مليون و200 ألف متر مكعب من الملوثات فقط في مدينة بغداد، وهو ما قد يتسبب بإصابة 600 ألف مواطن عراقي بمرض السرطان”.
التلوث الذي يصيب “المياه” قد يمتد تأثيره الى الاسماك والأراضي الزراعية ايضا، لتتسع دائرة الخطر ويكبر حجم الاصابات.

ويقول الباحث الكيمائي محمد سعيد لـ”مجلة الشبكة” ان “بحوثا في مجال الطب بالعراق اكدت ان اكثر الأمراض السرطانية ترتبط بشكل مباشر بشرب المياه الملوثة”.
وتنتقل مسببات “السرطان” في العراق الى الأنهر، بعد مرور الأمطار في اراضي مشبعة بمواد “اشعاعية”، خاصة اليورانيوم.

بدورها كشفت وزارة البيئة، في تقارير رسمية انها حذرت الحكومة من خطورة تلوث الأنهار، لكنها لم تجد جدية في التعامل مع الأمر.

معادن خطيرة

الى ذلك صدر مؤخراً تقرير دولي خاص بالبيئة العراقية، أعده فريق من الباحثين الأميركيين في “مركز دراسات الحرب” في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية. وأشار التقرير إلى أن الغبار في العراق يحتوي على 37 نوعاً من المعادن ذات التأثير الخطير على الصحة العامة، فضلا عن 147 نوعاً مختلفاً من البكتيريا والفطريات التي تساعد على نشر الأمراض.

ويقول الطبيب حسن عادل إن نسبة الإصابة بالأمراض المسرطنة كالأورام والتشوهات الخلقية وشلل الأطراف واضطراب الأعصاب ازدادت في الآونة الأخيرة، فضلا عن أمراض الجهاز التنفسي والعقم، “وكل هذه الأمراض ناتجة عن التلوث المستفحل في الهواء والماء والتربة”.

حليب “فل”!

وتطول قائمة التحذيرات من المواد المسرطنة في العراق بين الشاي، الرز الهندي، اسماك الفيلية، البطيخ والرقي المحقون بمواد سرطانية، حليب الأطفال، اللحوم الهندية.

بدوره كشف احد الأطباء العاملين في وزارة الصحة لـ”مجلة الشبكة” عن بيع حليب أطفال مقلد لاحد الأسماء المعروفة وهو يحمل “موادا مسرطنة”.

الطبيب الذي طلب عدم كشف اسمه، لحساسية المعلومات، قال ان “الحليب قد تم استيراده من الصين، في حاويات كبيرة على انه حليب تالف يستخدم كعلف للاسماك”.

لكن الطبيب يؤكد ان “هناك صفقة مشبوهة في المنافذ حولته الى حليب صالح للاستخدام مقابل دفع مبالغ مالية عالية”.

ودخل “الحليب الملوث بمواد سرطانية” بشكل “فل” ثم اعيدت تعبئته في العراق باكياس تم استيرادها ايضا من الصين، ليباع في الأسواق على انه مستورد من احدى الدول الأوروبية، لكن باسعار مخفضة.

غزو المنافذ!

بالمقابل كشفت اللجنة الاقتصادية النيابية عن تدفق البضائع التركية المسرطنة عبر إقليم كردستان إلى العراق، مبينة أن الإقليم لم يفرض رقابة صارمة ومحاسبة من يقوم بإدخال تلك المواد.

وقال نائب رئيس اللجنة حارث شنشل الحارثي لـ “الشبكة” إن “أغلب المواد المسرطنة يتم ادخالها عبر المنافذ الحدودية لاقليم كردستان وعدم اخضاعها للرقابة وجهاز التقييس والسيطرة النوعية”.

وبين الحارثي أن “اللجنة الاقتصادية النيابية تابعت الموضوع عن كثب وحملت اقليم كردستان مسؤولية تدفق تلك البضائع”.

كما كشفت لجنة الأمن والدفاع في البرلمان، عن وجود عمليات فساد كبرى في المنافذ الحدودية في البلاد، أسفرت عن دخول مواد غير صالحة للاستهلاك البشري.

وقال رئيس اللجنة، حاكم الزاملي لـ”الشبكة” أن “بعض المنافذ باتت تباع وتشترى من قبل التاجر والشركة لتوريد أغذية فاسدة وأخرى مسرطنة وأدوية منتهية الصلاحية ومواد ممنوع أصلاً، دخولها إلى العراق وكله مقابل مبالغ كبيرة”.

وكانت وزارة التجارة، قالت في وقت سابق، بانها تواجه جيشا من الفاسدين يحاول التغلغل في مؤسسات الدولة من خلال الضغط والابتزاز، ومحاولة عرقلة الجهود التي تقوم بها الوزارة لتأميـن الأمن الغذائي.

الازمة المالية

الى ذلك تتسبب الازمة المالية في البلاد بتفاقم ازمة المصابين بامراض السرطان.
ويتحدث رياض عبد الأمير مدير دائرة الصحة في محافظة البصرة، عن أن دائرته تواجه صعوبة في تأمين المخصصات الشهرية لاستمرار المؤسسات الصحية بالعمل.

كما تحذر المتخصصة بالأمراض السرطانية بالمحافظة هدى طارق، من حدوث كارثة ستصيب الأطفال المصابين بمرض السرطان، في حال استمر عدم توفير المخصصات المالية المطلوبة لعلاجهم.

ودعا مدير صحة البصرة، رياض عبد الأمير، المواطنين الميسورين والشركات النفطية العاملة في البصرة، إلى التبرع لمستشفى الطفل التخصصي، للإسهام في توفير العلاجات المنقذة للحياة والمستلزمات الطبية الضرورية للأطفال المصابين بالسرطان، ومنها مستلزمات فصل مكونات الدم.

وأضاف عبد الأمير أنّ الأطفال المصابين بالسرطان في المستشفى، يعانون أيضاً من نقص في بعض أنواع العلاجات الضرورية، وأن المستشفى بحاجة إلى 400 مليون دينار شهرياً لأداء عمله على نحو جيد.

وأطلق 20 شاباً من الناشطين البصريين، حملة جمع تبرعات مالية لدعم جهود توفير العلاج للأطفال المصابين بالسرطان، وذلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأطلقوا عليها حملة “البنفسج”، في محاولة للتخفيف من معاناة الأطفال الراقدين في مستشفى الطفل التخصصي وذويهم، والذين يضطر بعضهم إلى شراء أقراص الدم من “المذاخر” الأهلية، نتيجة نفادها في المستشفى، والتي يبلغ سعر أقراص الدم فيها 460 ألف دينار.

كما قام شباب الحملة بحلاقة رؤوسهم بالكامل، تعبيراً عن تضامنهم مع الأطفال المصابين بالسرطان.