نجم الدين السهروردي: دخلت سبعة سجون!

عبد الجبار خلف/

بعد حوار دام نحو 13 ساعة في داره بحي الجامعة عام 2000سألت الدكتور نجم الدين السهروردي(1920 – 2009) الأب الروحي للرياضة العراقية، ومؤسس أول كلية تربية رياضية في الوطن العربي، عن يوم من أيام حياته لا ينساه أبداً؟

ابتسم لسؤالي وقال هو ليس يوم واحد بل أيام من رحلة متشابكة الأيام، فقلت له: لا بأس هات ما عندك، فأوضح لي أنه ارتبط بالشخصية السياسية رشيد عالي الكيلاني (1892 – 1965) الذي شغل منصب رئيس الوزراء ثلاث مرات أثناء العهد الملكي في العراق للأعوام 1933،1940،1941، وهو صاحب الثورة المعروفة باسمه عام 1941 المناهضة للإنكليز، وقد تزوج السهروردي ابنة الكيلاني.

تحدث السهروردي عن تلك الذكرى قائلاً: كنت قد أصبت بمرض عام 1938 فنصح الأطباء أهلي أن أسافر الى بيروت، وهناك انتسبت الى الجامعة الأمريكية التي بقيت فيها حتى نشوب الحرب العالمية الثانية، فعدت الى بغداد لأكمل دراستي فيها، وصادف أن حدثت ثورة رشيد عالي الكيلاني، فما كان مني إلا أن التحق بـ (روبرت كوليج) لدراسة الهندسة، وبالفعل أمضيت فصلاً كاملاً، قبل أن ألتحق بالسيد رشيد عالي رئيس حكومة الدفاع الوطني عام 1941 في المنفى بألمانيا، ثم التحقت بالفيلق العربي متطوعاً مع رفاق وأصدقاء عراقيين، اذ كان مركز التدريب في ضواحي أثينا باليونان.

وأضاف بعد لحظات من صمت الاستذكار: لاختلاف في المبدأ ألقى الألمان القبض علينا وأودعونا السجن لأننا رفضنا التوقيع على استمارة جاء فيها: (إن الموقع أدناه يلتحق بالجيش الألماني.. ) بينما الأصح الذي نريده هو (بالفيلق العربي) الذي يرأسه السيد رشيد عالي، وتم ترحيلنا الى برلين وهناك التقيت الكيلاني وأوضحت له ما حدث، فاستدعتني الجهات الألمانية للتحقيق معي، كان المحققون (ممثلين من وزارة الخارجية ووزارة الدفاع)، وعلى إثر هذا اعتذر رشيد عالي عن مهمة هذا التنظيم لعدم التزام الطرف الألماني بالاتفاق.
وتابع : إزاء هذا الوضع الجديد.. التحقت للدراسة في جامعة برلين ثم انتقلت الى كلية الهندسة في (درسدن) عام 1942، ثم غيرت دراستي الى التربية بسبب الغارات الجوية المكثفة ولكي لا أحضر يومياً، وبعد سنتين انتقلت الى مدينة (انسبروك) التي أصبحت (النمسا) فيما بعد، بعد ذلك قررت السلطات ترحيلنا الى الشرق العربي وأثناء مرورنا بالقطاع البريطاني أُلقي القبض علينا، وكنا مجموعة من العراقيين منهم سيد كامل كيلاني شقيق رشيد عالي وأحمد سلمان أخو الشهيد محمد سلمان والسيد محمد بن الشريف شرف الذي كان وصياً على عرش العراق، وقضينا سبعة أشهر في معتقلات بريطانيا في ألمانيا، الى أن صدر قرار بترحيلنا الى بغداد بدون علمنا على أننا (مجرمو حرب)، فأرسلونا الى السجن في (كلادن فورت) عاصمة كرنثيا التي هي ولاية في النمسا، والطريف أنني في سجن (فيدراون) بالنمسا أصدرت جريدة عنوانها (القيود) نسخة واحدة وأصدرت منها سبعة أعداد، ولكنها انقطعت بسبب خلاف بين قراء السجن العربي الذين كان عددهم 17 شخصاً، ثم نقلونا الى سجن (باري) في إيطاليا، ثم إلى سجن في أثينا حتى وصلنا الى سجن في اللد بفلسطين، وكنا نبقى في هذه السجون ما بين 3-4 أيام ثم يرحلوننا، وكانت بريطانيا تتبع معنا سياسة التجويع حيث نزل وزني الى 26 كغم في سبعة أشهر وكان عمري آنذاك 26 عاماً.

وتوقف السهروردي عن سرد الحكاية وقد كنت أعد السجون التي زارها على أصابعي، ثم قال: في شهر آب/ اغسطس من عام 1946 اخرجونا من السجن وجاءوا بنا الى المطار.. فطرنا.. واذا بنا في مطار بغداد فكان ذلك بمثابة مفاجأة لنا، ولكنهم في بغداد أدخلوني مع نجدة الشواف وفرج الله وردي سجن السراي، وتوجه السيد كامل كيلاني ومحمد شريف الى ذويهم من المطار!!، وللحقيقة استقبلونا في المطار استقبالاً رائعاً يدل على احترام المسؤولين والمواطنين لنا، احترام فوق العادة، وبعد أن أجري التحقيق معنا في مديرية أمن بغداد أفرج عنا بكفالة.. مع منع السفر!!.