سلمان سعدون الواسطي/
قال البرفسور محمود يونس( اقتصادي بنكلاديشي حاصل على جائزة نوبل): “عندما كنت أقول إن مساعدة أسرة تتناول وجبة طعام واحدة على أن تصبح أسرة تتناول وجبتين، وتمكين امرأة من أن تشتري قطعة ملابس ثانية هو معجزة إنمائية، كنت أتعرض للسخرية”،( دليل التنمية البشرية لعام 1999 ، UNDP ) ، ويقصد تعرضه من قبل الاقتصاديين الذين يؤمنون بتفوق النمو الاقتصادي على التنمية البشرية. ونحن في العراق يجــب أن نخلق معجزة إنمائية .. ومعجزتنا هي (تحسين نوعية حياة كل العراقيين)
ما الذي نعنيه بتلك النوعية؟ وهل تتحقق بتغيير النظام من دكتاتوري الى فدرالي حر؟ نعم، ولكن ذلك غير كافٍ، أم أنها يمكن أن تتحقق بزيادة عائدات الثروة الستراتيجية، النفط ، زيادة كبيرة غير معهودة؟ وأيضاً نعم، ولكنه غير كافٍ كذلك.
قبل عام 1990 كان مستوى الرفاه الاقتصادي يقاس عالمياً بمعيار مضلل لا يعبر عن حقيقة مستوى معيشة الناس، ألا وهو متوسط دخل الفرد الذي هو عبارة عن حاصل قسمة وليس (توزيع) الدخل الوطني على مجموع السكان بصورة مطلقة. و الحقيقة أن الاقتصاديين كانوا يعون النقص في قدرة هذا المعيار على اكتشاف حقيقة التفاوت الاقتصادي والاجتماعي بين الأفراد والمجتمعات، ولذلك كانوا غالباً ماينادون بتطبيق نظرية إعادة توزيع الدخل واستمر ذلك لعقود، ولكنهم عجزوا عن إيجاد الحل الى أن ظهر العالم الاقتصادي الخلاّق محبوب الحق (رحمه الله) فأنشأ أول تقرير للتنمية البشرية في عام 1990 لحساب مشروع الأمم المتحدة للإنماء الاقتصادي UNDP، غيَّر مفاهيم النظرية الاقتصادية- الاجتماعية جذرياً، حيث توصل العالم الجليل الى أن النمو الاقتصادي ليس هو الغاية وإنما الوسيلة لتحقيق غاية نبيلة يعبَّر عنها بالتنمية البشرية، وهذه الأخيرة بحسب المفهوم الجديد تشمل كل احتياجات الإنسان لاستدامة حياة حرة، متمكنة، آمنة تشعره بالرفاه والاطمئنان، وهذه الاحتياجات عبر عنها دليل التنمية البشرية (بالقدرات) والتي من بين ماتشمله الآتي :
-ـ الدخل الذي يلبي متطلبات الحد الأدنى لعيش كريم،
– السكن الصحي،
-ـ حرية العمل والملكية والتنقل في داخل الوطن والسفر وكل أنواع الحرية المشروعة،
– نصيب الفرد من التعليم والصحة والأمن والطاقة والمياه الصالحة للشرب,
– حرية الانتماء الديني والمذهبي والسياسي …الخ.
إذن ، تحسين نوعية الحياة يتطلب حصول الفرد أو الأسرة على أكبر قدر ممكن من قدرات التنمية البشرية، فما الذي حصل عليه الفرد والأسرة في العراق الآن من تلك القدرات، باستثناء الموظفين (عندما يكون الكلام عن عامة العراقيين فقط) وليس المتنفذون والأغنياء.
لقد حدث التغيير السياسي وآمال الجماهير تتجه الى المستقبل نحو تحقيق (الحلم بالرفاهية). والكل يعلم أن عدم تحقيق هذا الحلم سببه الأساس هو الإرهاب، ولكنه ليس السبب الوحيد، لأن هناك مايماثله في نتائجه: الفساد الإداري والمالي وحالة عدم التوافق السياسي.
والأكثر من ذلك يتمثل في التدفق الهائل والسريع للثروة الوطنية، يقابله عمل بطيء جداً لاستثمار تلك الثروة .. وبدلاً من تحقيق الرفاه الاقتصادي الاجتماعي، تحققت زيادة كبيرة في عدد المحرومين من قدرات التنمية البشرة وبخاصة: فرص العمل، السكن، الأمن، المياه الصالحة للشرب، الكهرباء.
( هل يموت السمك عطشاً وهو يسبح في ماءٍ غزير؟)
التقارير السنوية الدورية للتنمية البشرية التي سبقت الإشارة إليها، تشير الى أن الناس الذين يعيشون تحت خط الفقر يحصلون على دخل مقداره دولار واحد يومياً. والمحزن أنه اذا ما طبقنا هذا المعيار على شرائح كثيرة من شعب العراق، وبخاصة سكان القرى والأرياف وأطراف المدن، لوجدنا أنهم أفقر حتى من فقراء تحت خط الفقر لأنهم لا يحصلون على ذلك الدولار!
تجدر الإشارة الى أن الذي أعنيه هنا بزيادة الفقر.. لا يعني بأيّ حال من الأحوال أن الفقراء الآن أسوأ حالاً من أمثالهم في النظام السابق .. وإنما المفروض عند مستوى ثروة العراق الحالية (الذي أعنيه هنا قبل حدوث الانخفاض الحاد جداً في أسعار النفط عالمياً)، أن لا نُشاهدُ فقيراً في العراق بعد مرور أكثر من 14 سنة على تغيير النظام…