ارشيف واعداد عامر بدر حسون/
كان عمر ادهم الشرقاوي 23 عاما فقط عندما قتل (عام 1921) من قبل البوليس لجرائم القتل التي ارتكبها ولفراره من السجن. وعندما حدثت ثورة يوليو 1952 في مصر اراد الثوار تقديم صورة لبطل شعبي كان يقتل الاغنياء ويسرقهم ليعطي للفقراء هو وعصابته..
فصدرت الاوامر لبعث تلك القصة القديمة، الشبيهة بقصة ريا وسكينة بطريقة ما، وقدمت بخيال شعبي وكلمات ثورية ساهم فيها كبار الكتاب والشعراء الثوريين فانتج عنه فلم عام 1964 (غنى فيه عبد الحليم حافظ المواويل التي ترثيه) وعدة مسرحيات قبل ذلك والتمثيليات الاذاعية (غنى مواويلها محمد رشدي) ومئات المقالات وعدد كبير من الكتب.. وفي العام 1983 قدم عنه مسلسل تلفزيوني، وفي العام 2009 قدم مسلسل اخر و..الخ.
ماهي الوثيقة المتوفرة عنه وعن قصة حياته في الاصل؟
لا توجد في الواقع سوى هذا التقرير الذي نشرته مجلة اللطائف المصورة عنه وعن مقتله في 31- 10- 1921 وهو الذي نضعه هنا بين ايدي القراء ليعقد مقارنة بين الاصل وبين الصورة التي رسمت له تاليا.
نشرنا في عدد سابق صورة المجرمين الاشقياء الشريعي وعبد الحليم صالح وقد راينا ان ننشر اليوم صورة المجرم الاكبر والشقي الطاغية ادهم الشرقاوي بعد ان طارده رجال الضبط والبوليس واصطادوه فاراحوا البلاد من شروره وجرائمه.
ولد أدهم عبد الحليم الشرقاوى نحو عام 1898 ولقى مصرعه فى أكتوبر 1921 فكأنه مات عن 23 عاما بعد أن دوخ الحكومة المصرية نحو ثلاث سنوات.
ولد بناحية زبيدة من بلاد مركز إيتاى البارود وألحقه أبوه بالمدارس الابتدائية حتى أتم دروس السنة الرابعة ثم أخرجه أبوه من المدارس حين لمس عدم استعداده لتلقى العلوم ولوحظت عليه العدوانية فكان يعتدى على كل من يمسه بأبسط شىء.
وفى 1917 ارتكب حادثة قتل وهو فى سن التاسعة عشرة، وكان عمه عبد المجيد بك الشرقاوى عمدة زبيدة أحد شهود الإثبات.
وفى أثناء محاكمته أمام محكمة الجنايات سمع أدهم أحد الشهود يشهد ضده فهجم على أحد الحراس بقصد نزع سنجته ليطعن بها الشاهد وحكمت المحكمة على أدهم الشرقاوى بالسجن سبع سنوات مع الأشغال الشاقة فأرسل إلى ليمان طرة، وفى الليمان ارتكب أدهم الشرقاوى جريمة قتل أخرى، فقد تعرف هناك على أحد السجناء وأدرك من كلام هذا السجين أنه القاتل الحقيقى لأحد أعمامه وأنه لم يقبض عليه فى هذه الجريمة التى لم يقبض على أحد فيها لأن مرتكبها ظل مجهولا وإنما قبض عليه فى جريمة أخرى.
ولما عرف أدهم الشرقاوى هذه الحقيقة غافل السجين ذات يوم وضربه على رأسه بالأداة التى يقطعون بها الأحجار فقتله وهكذا حُكِم على أدهم الشرقاوى بالأشغال الشاقة المؤبدة، غير أنه هرب من السجن فى اضطرابات 1919 (تقصد المجلة ثورة 1919 في مصر) واختفى فى مكان ما فى بلده. وهناك انضم إليه عدد كبير من الأشقياء فكون منهم عصابة وأخذ يرتكب الجرائم العديدة، وكان همه الوحيد أن يقتل عمه عبد المجيد بك الشرقاوى، عمدة زبيدة، لأنه كان أهم شاهد فى قضيته الأولى فكان يتربص به فى غيطان الذرة ولكنه عجز عن قتله لأن عمه كان شديد الحذر.
ظل أدهم الشرقاوى يرتكب الحوادث المخلة بالأمن من قتل وسطو ونهب فى ناحية زبيدة حتى يكون ذلك مدعاة لرفت عمه من العمدية فلم يفلح أيضا، وعندما كبرت عصابته كان يتم استئجاره لارتكاب جرائم القتل «مقابل المال» فقتل الكثيرين وكان منهم خفير نظامى بعزبة خلجان سلامة وشقيقه الشيخ أبو مندور وهو من أعيان المركز وآخرون، ثم أخذ يهدد العمد والأعيان ليبتز منهم مبالغ طائلة مقابل المحافظة على أرواحهم فكانوا ينفذون ما يطلب خوفا من بطشه.
وأخيرا هاجم أدهم الشرقاوى مع أحد أعوانه- وكانا ملثمين الشيخ حسين السيوى وهو من أعيان ناحية كفر خليفة،
وكان أدهم الشرقاوى يطارده وهاجمه بينما كان جالسا مع خمسة من أصدقائه أمام منزله يتحادثون ويلعبون الطاولة، وكان ذلك فى الساعة العاشرة صباحا أى فى رابعة النهار، وصرخ فيهم أدهم الشرقاوى وأطلق رصاصة على الشيخ حسين السيوى فأرداه قتيلاً، فدب الرعب فى قلوب الأهالى.
وكان أدهم الشرقاوى يسطو على التجار على قارعة الطريق نهارا ويسلب محافظهم وما يحملون وعندما شاع الرعب بين الناس عززت الحكومة قوات الأمن فى المنطقة وأكثرت من دورياتها، وتخاصم أدهم الشرقاوى مع أحد أقربائه وهو خفير اسمه محمود أبو العلا، فوشى به الخفير لدى البوليس ودلهم على مكانه. وحين شددت الحكومة النكير على أدهم الشرقاوى وجدّت فى مطاردته تركه أعوانه خوفاً على حياتهم، أما أدهم فلم يخف بل ظل ينتقل بين مراكز ايتاى البارود وكوم حمادة والدلنجات.
وأخيرا أرسل ملاحظ بوليس التوفيقية أحد الجاويشية ويدعى محمد خليل ومعه أومباشى سودانى وأحد الخفراء فكمنوا له فى غيط ذرة بزمام عزبة جلال، وكان أدهم الشرقاوى فى حقل مجاور من حقول القطن يتأهب لتناول غذائه الذى جاءته به امرأة عجوز.
ولما أحس أدهم الشرقاوى بحركة داخل غيط الذرة المجاورة أطلق عدة طلقات من بندقيته الماروز دفاعا عن النفس ولكن الجاويش محمد خليل أطلق عليه رصاصتين فسقط قتيلا قبل أن يتناول شيئا من طعامه ووجدوا معه نحو مائة طلقة وخنجرا.
لم يكن أدهم الشرقاوى قوى العضلات بدرجة تمكنه من ارتكاب هذه الجرائم، ولكنه من أجرأ اللصوص والقتلة فلا يبالى بالحكومة ولا ببطشها.
مجلة «اللطائف المصورة» 31 أكتوبر سنة 1921