بقلم : إيلينا شاو – ترجمة: آلاء فائق /
مثلها مثل الكوارث المناخية المتطرفة الأخرى، تنطوي الفيضانات على عدد كبير من العوامل التي قد تؤثر على وتيرتها وشدتها. الفيضانات المدمرة التي ضربت أجزاء كثيرة من العالم في فترات متفرقة خلال الأعوام السابقة، كانت بمثابة صدمة لخبراء الأرصاد الجوية، إذ تسبب التغير المناخي بهطول أمطار غزيرة كانت سبباً في حدوث فيضانات مدمرة في أوروبا ودول أخرى عديدة، وتسببت الفيضانات بمقتل مئات الأشخاص وتشريد الكثير منهم بسبب غرق بلدات وقرى.
يمكن أن تحصل الفيضانات على مدار السنة في كل مناطق العالم. يقول الخبراء إن تمييز العلاقة بين أي فيضان والتغير المناخي ليس بالأمر الهيِّن، وهو ما يجعله صعباً بسبب السجلات التاريخية المحدودة، ولاسيما بالنسبة للفيضانات الشديدة التي تحدث بشكل غير منتظم.
من المغري أن نعزو حصول جميع الفيضانات والأحداث المتطرفة الأخرى إلى ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض. لكن الطقس ليس مناخاً، على الرغم من أن الطقس يمكن أن يتأثر بالمناخ. فالعلماء واثقون من أن التغير المناخي له تأثير مباشر في جعل أيامنا حارة بشكل متطرف وعلى نحو أكثر شيوعاً، لكنهم غير متأكدين من أن التغير المناخي يجعل الأعاصير أكثر حدة كذلك.
ما الذي يسبب الفيضانات؟
تسهم العديد من المكونات الرئيسة في تطور الفيضانات، منها: هطول الأمطار، وذوبان الجليد، والتضاريس، ومدى رطوبة التربة. لكن اعتماداً على نوع الفيضان، قد تكون بعض العوامل أكثر أهمية من غيرها.
يحدث فيضان النهر، المعروف أيضاً باسم الفيضان النهري، مثلاً، عندما يفيض نهر أو مجرى أو بحيرة بالمياه، غالباً بعد هطول الأمطار الغزيرة أو ذوبان الثلوج بسرعة، إذ تجرف المياه المتدفقة بسرعة أشخاصاً وتدمر منازل وطرقاً سريعة وخطوطاً للسكك الحديدية. وتنتج الفيضانات الشديدة بسبب هطول غزير للأمطار على أرض موحلة بالفعل خلال يوم أو يومين، إلى جانب عوامل هيدرولوجية محلية كالغطاء الأرضي والبنية التحتية.
الفيضانات الساحلية
تحدث الفيضانات الساحلية عندما تغمر المياه مناطق برية قريبة من الساحل، غالباً بعد عاصفة شديدة تصطدم بموجات المد العالية، كما يمكن أن تحدث الفيضانات أيضاً في المناطق التي لا توجد فيها مسطحات مائية قريبة، ويمكن أن تتطور الفيضانات الخاطفة، على وجه الخصوص، في أي مكان يتعرض لهطول أمطار غزيرة خلال فترة زمنية قصيرة.
فيضان الـمئة عام!
لوصف شدة الفيضان، غالباً ما يستخدم الخبراء المصطلح الأكثر بساطة، “فيضان الـ100 عام” ، لوصف فيضان لديه فرصة بنسبة واحد في المئة بالحصول في أي عام، الذي يعتبر حدثاً شديداً ونادراً. المصطلح هو مجرد وصف للاحتمالية، على الرغم من أنه ليس وعداً بالحصول، إذ يمكن أن تتعرض المنطقة لفيضان الـ100 عام في غضون بضع سنوات.
هل ازدادت الفيضانات في العقود الماضية؟
قام السكان بتقييم الفيضانات خارج منازلهم في حي (فار روكواي) في نيويورك، وجامعة كوينز في كندا، في أكتوبر- تشرين الأول 2021، حين أدى التغير المناخي -بلا شك- إلى تكثيف هطول الأمطار الغزيرة، بشكل غير متوقع، لكن لم تكن هناك زيادة مقابلة في إحداث الفيضانات.
عندما يتعلق الأمر بفيضانات الأنهار، فإن من المحتمل أن يؤدي تغير المناخ إلى تفاقم تواتر وشدة إحداث الفيضانات الشديدة، ولكنه يقلل من عدد الفيضانات المعتدلة، كما توصل الباحثون لذلك في دراسة نشرت في العام 2021 في مجلة Nature. ومع ارتفاع درجة حرارة المناخ، تؤدي معدلات التبخر المرتفعة إلى جفاف التربة بسرعة أكبر، وبالنسبة لتلك الفيضانات المعتدلة الأكثر شيوعاً، فإن الظروف الأولية لرطوبة التربة مهمة، لأن التربة الأكثر جفافاً قد تكون قادرة على امتصاص معظم الأمطار.
تقول (مانويلا برونر)، خبيرة الهيدرولوجيا (علم المياه) في جامعة (فرايبورغ) بألمانيا، إنه بشأن إحداث الفيضانات الكبيرة، فإن رطوبة التربة الأولية تعتبر أقل أهمية، “لأن هناك الكثير من المياه بحيث لا تستطيع التربة امتصاصها بالكامل.” على أي حال، توضح د. برونر أن أية مياه إضافية تضاف إلى ما بعد النقطة التي تكون فيها التربة مشبعة بالكامل سوف تتدفق وتسهم في تطور الفيضانات.
التطلع إلى المستقبل
العلماء واثقون أن بعض أنواع الفيضانات ستزداد وفقاً للسيناريو المعروف بـ “الأعمال مستمرة كالعادة”، طالما أن البشر مستمرون في تسخين الكوكب بانبعاثات غازات الاحتباس الحراري بالمعدل الحالي، ومن بين أبرز ما سوف يشهده العالم هو استمرار حصول الفيضانات الساحلية التي تزداد من حين إلى آخر مع ارتفاع مستوى سطح البحر. فضلاً عن ذلك، يضيف ذوبان الأنهار الجليدية والصفائح الجليدية حجماً إلى المحيط، إذ يتمدد الماء نفسه مع ارتفاع درجة حرارته.
المتوقع أن الفيضانات المفاجئة سوف تستمر في الحصول وبشكل متزايد، نظراً لتزايد هطول المزيد من الأمطار الشديدة. كما تؤدي درجات الحرارة الأكثر دفئاً إلى زيادة التبخر، ما يؤدي إلى زيادة الرطوبة في الغلاف الجوي، التي تتكون بعد ذلك على شكل أمطار أو تساقط ثلوج.
عن موقع / نيويورك تايمز