ترجمة: آلاء فائق /
ما يميز شهر رمضان الفضيل هو أنه شهر لمِّ شمل الأسرة، فمسلمو العالم أينما كانوا على وجه المعمورة يصلّون ويصومون ويفطرون معاً. الصيام يستنزف جهداً كبيراً من الجسم، لكن هل يزيد الصيام أيضاً خطر الإصابة بفيروس كورونا؟
من شروق الشمس حتى غروبها
خلال شهر رمضان، يمتنع المسلمون عن الأكل والشرب من شروق الشمس حتى غروبها. بعد غروب الشمس يفطرون، فترة صيامهم تستغرق في الغالب نحو 16 ساعة. الجسم السليم يعتاد على التغيير دون أية مشاكل تذكر ويتحول إلى ما يسمى بـ(وضع الجوع)، ما يعني أنه يحصل على كمية أقل من الطاقة، بينما ما يزال يعمل. في الواقع، لا يمثل التخلي عن الطعام مشكلة كبيرة للجسم؛ المشكلة الأكبر هي في نقصان السوائل، ولاسيما لدى المرضى الذين يحتاجون إلى الكثير منها، لأن السوائل تساعد الجسم في التأقلم مع الأمراض أو التعافي منها.
الصيام يقوّي جهاز المناعة
لا يوجد بحث حتى الآن يؤكد إذا ما كان الصيام يؤدي لضعف جهاز المناعة، لكن فيروس كورونا خلق وضعا جديداً على الجميع، بمن في ذلك العلماء.
يقول كثيرٌ من خبراء الصحة والغذاء: حتى الآن، لا توجد دراسات علميّة موثقة يمكن اللجوء اليها للجزم بأن الصيام يمكن أن يؤثر في احتمالات إصابتنا بالفيروس المستجد، سلباً أو إيجاباً.
ثمة دراسات عدة تشير إلى أنّ الصيام لأكثر من 14 ساعة يقوي جهاز المناعة، وذلك أحد الأهداف الصحيّة من الحميات الغذائية الرائجة والمسماة بالصيام المتقطع، التي تفيد أيضاً في تخليص الجسم من السموم. لكنها ليست دراسات كافية للاستناد إليها في منح توجيهات لملايين ممن ينوون الصيام.
من جانبها، كانت توجيهات منظمة الصحّة العالمية بشأن الوقاية من العدوى واضحة، وتتضمّن تعليمات بطهو الطعام جيداً، من دون أي ذكر للانقطاع عن الأكل أو الصيام.
توخي الحذر
مع ذلك، يجب على الأشخاص الذين يعانون من مشكلات صحية أن يفكروا ملياً في مدى قدرتهم على تحمل الصيام، والتحدث إلى طبيبهم سلفاً. تنصح منظمة الصحة العالمية (WHO) مرضى COVID-19 باستشارة الطبيب، وربما الامتناع عن الصيام. في النهاية، يمكن للطبيب فقط أن يقرر ما إذا كان الشخص مريضاً أو ضعيفاً جداً أو ما إذا كانت مخاطر الإصابة بالفايروس مرتفعة للغاية.
تنصح الجاليات المسلمة عموماً الناس بتأجيل الصيام إذا كان هناك خطر يهدد الحياة أو يؤخر الشفاء من كوفيد-19. كما أنه لن تكون هناك تجمعات كبيرة هذا العام أيضاَ، إذ سيفطر الناس في منازلهم أو ضمن محيط أسرهم.
الاستثناءات
يعفي الدين الإسلامي تقليدياً كبار السن والمرضى والعجزة والحوامل والمسافرين من الصيام، وكذلك النساء المرضعات والأطفال الذين لم يصلوا سن البلوغ أيضاً، إذ لا يتعين عليهم اتباع القواعد الصارمة المعتادة في الشهر الفضيل.
يحتاج الأشخاص المصابون بأمراض مزمنة، على سبيل المثال، إلى الطاقة لمحاربة أي مرض يعانون منه. وفقاً لمنظمة الصحة العالمية (WHO)، يمكن للمسلمين الأصحاء قضاء شهر رمضان هذا العام وسط جائحة كورونا بنفس الطريقة التي اعتادوها كل عام. لا تجد منظمة الصحة العالمية أية علاقة بين الصيام وزيادة خطر الإصابة بالعدوى.
الصيامات ليست متشابهة
يختلف الصيام في شهر رمضان عن كثير من الممارسات الأخرى التي يجري اتباعها في محاولة لفقدان الوزن أوتنقية الجسم أو التخلص من السموم. عند وجبة الفطور اليومية التي تبدأ من غروب الشمس تحديداً، يُسمح للمسلمين بتناول الطعام والشراب بقدر ما يرغبون. يعمل هذا على تجديد احتياطيات الجسم حتى مساء اليوم التالي. لذلك فالصيام هو ليس التخلي التام عن الطعام والسوائل.
الصيام بين شروق الشمس وغروبها يمكن أن يجتازه الشخص السليم بسهولة. تتعامل منظمة الصحة العالمية أيضاً مع المتطلبات الصحية اللازمة للمشاركة في الصيام وقد خصصت صفحة كاملة طرحت فيها معظم النصائح المهمة حول رمضان. قد يقول قائل: “يجب أن يكون الأشخاص الأصحاء قادرين على الصيام كما في السنوات السابقة.” لا ترى المنظمة أية مخاطرمن صيام الأصحاء أو حاجة لأية قيود.
مشكلة كورونا تبدأ في الحنجرة
يعرف الباحثون والأطباء الآن أن الفيروس التاجي الجديد يمكن أن يستقر في الحنجرة ويتكاثر. هذا هو المكان الذي يتم فيه أخذ المسحات لاختبارات COVID-19، حيث تكون كمية الفيروس هنا أعلى بعد الإصابة.
يمكن للفيروس بعد ذلك أن ينتشر أكثر عن طريق عدوى الرذاذ إذا عطس الناس أو سعلوا. لذلك كانت المحافظة على رطوبة الحلق – أي شرب الماء بكثرة – توصية قدمها كثير من الأطباء في بداية أزمة فيروس كورونا، قائلين إنها قد تجعل تكاثر الفيروسات أكثر صعوبة.
عودةٌ لأحكام الطاعون
سبق أن حلّ شهر الصيام وموسم الحج في فترات أوبئة على مر العصور عبر التاريخ، وتعطّلت مواسم الحج بسبب الطاعون والكوليرا قديماً.
على مر الدهر، لم يسجل التاريخ الامتناع عن الصيام كلياً بسبب الطاعون ونحوه، لكن تعطلت فريضة الحج بسبب القرامطة سنوات عدة، لأنهم منعوها إبان حكمهم، كما تعطلت في بعض البلدان بسبب الطاعون والوباء في بعض الأحيان.
كورونا يهدد الشعائر الدينية
في حال جائحة كورونا الراهنة، ومع التوصيات الطبية بعدم إمكان الإفطار الجماعي احترازاً، فإنّ تأثير الفيروس على الشعائر الدينية لن يطال الصيام بحدّ ذاته، لكنّه سيلغي كلّ ما يرافقه من صلوات وتراويح وأدعية ولقاءات عائلية وتجمعات احتفالية.
التأثير في الطقوس الاجتماعية المرتبطة بشهر رمضان في البلدان العربيّة سيكون حاداً مع التزام التباعد الاجتماعي، ما يعني أنّ الأسواق لن تزدحم كعادتها قبل تفشي الجائحة.
من المرجّح أن تقتصر موائد الإفطارعلى أفراد الأسرة الصغيرة، من دون اختلاط بالأقارب والزوار، إن استمرّت الإجراءات الوقائية لهذا العام أيضاً.
كما أنّ موائد الرحمن الشائعة في عدد من البلدان العربية، لإطعام الفقراء والمعوزين، قد تواجه المصير ذاته، ما يهدّد الفئات الأشد فقراً.
عن موقع/DW