عبد الحليم الرهيمي/
رحيله الذي ترافق مع ظروف وفاة غامضة وشكوك بانه مات مسموما لم تكشف عنها الفحوص والاختبارات التي اجريت على جثمانه بعد فترة طويلة من الوفاة، اضافت لشخصيته بعداً غامضاً اخر، ياسر عرفات هو الاسم الحركي للشخصية الفلسطينية (الغزاوية) المتميزة والمثيرة للجدل في ان معاً
أما اسمه الحقيقي فهو (عبدالرؤوف القدوة) درس الهندسة في مصر وعمل بعد تخرجه بالكويت ومن هناك أسس مع رهط من رفاقه الفلسطينيين حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) التي اعلن عن تأسيسها في 1/1/1965 مع اعلان القيام بأول عملية عسكرية لها ضد اسرائيل.
لقد بدأ عرفات رحلته القيادية منذ ذلك التأريخ واستمرت لنحو أربعة عقود، حتى رحيله منتصف العقد الأول من هذا القرن, وكانت مواقفه وسياساته تتسم بالتناقض والغرابة والتردد والشجاعة في وقت واحد. واذا كان من غير الممكن الاشارة لكل تعبيرات تلك المواقف والسياسات فيمكن اختيار بعضها المعبر عنها.
خلال وجودنا في بيروت في سبعينات وثمانينات القرن المنصرم حيث عملنا في اعلام الثورة الفلسطينية كنا نرصد ونرى مباشرة تلك المواقف والسياسات أو يشي لنا بأسباب واهداف اتخاذها المقربون من عرفات والعاملون في الدائرة المحيطة به.
واحدة من تلك السياسات والمواقف التي تتسم بالتناقض والغموض والتي تدفع للحيرة في معرفتها هي سياسة الـ (اللعم) التي يلجأ اليها عندما يتطلب الموقف الفلسطيني أو العربي منه موقفا حول قضية ما ولا يريد ان يقول رأيه الصريح, فتكون الـ (اللعم) التي تعني لا ونعم في الوقت نفسه كمخرج لموقفه الحرج.
دائما ما يجيب عرفات عندما يسئل عن اسباب التناقض أو الغموض والتردد في مواقفه وسياساته بالتساؤل وباللهجة المصرية التي اعتاد على الحديث بها : “ازاي عايزني اشتغل بان انحاز لهذه الدولة العربية واعادي الأخرى المتناقضة والمتصارعة وانا افوج في بحر متلاطم الأمواج في السياسات العربية؟ خاصة ان ثورتنا محاصرة ومطوقة وشعبنا مشتت في المخيمات بالعواصم والمدن العربية”.
وينقل عن عرفات ايضا انه عندما كان يؤدي مراسم فريضة الحج ويصل الى مكان تأدية شعيرة رمي الجمرات على الشيطان كان يعطى الجمرات لاحد مرافقيه لرميها بدلا عنه, وحين سئل عن سبب ذلك أجاب: انت ماتعرفش انا مش عايز اقطع مع الشيطان واعاديه قد نحتاج له في كفاحنا الطويل لتحرير فلسطين !!.
كان عرفات يحرص عندما يكون في بيروت على حضور الاجتماع الاسبوعي لهيئة تحرير صحيفة (فلسطين الثورة) وهي الصحيفة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية, وهيئة التحرير التي تتألف من نحو عشرين محررا حيث يشكل العراقيون نحو ثلثي هذا العدد, وحين سأله أحدهم عن رأيه بصدام وسياساته تجاه الشعب العراقي وتجاه ايران التي شن الحرب عليها سيما وان له علاقات جيدة مع ايران والامام الخميني وعلاقات مثلها مع صدام؟ أجاب بغضب, لكن بكل قوة, بهجوم عنيف على صدام وسياساته الاجرامية تجاه الشعب العراقي وتجاه ايران, وهذا ما أثار دهشة الجميع, فوجه اليه أحدهم سؤالا آخر وهو: الا يؤدي هذا الموقف الى قطع العلاقات مع نظام صدام ووقف الدعم المقدم لمنظمة التحرير؟ اجاب بالنفي قائلا: صدام ميقدرش يعادينا انه يحتاجنا اكثر مما نحتاج له لأن سلاحه المهم والرئيس لتغطية سياساته الاجرامية هو التلطي وراء القضية الفلسطينية والتغطية بها ويعتقد ان موقفه الايجابي منها يكسبه الشرعية لنظامه, وانه لن يستطيع معاداتنا علنا وان كان قادرا على التآمر علينا من خلال (الجبهة العربية لتحرير فلسطين) التابعة لمخابراته.
هذه الاختيارات أو اللقطات المختارة التي تعكس بعض مواقف وسلوك عرفات التي اتخذها ومارسها في ظروف شديدة التعقيد والصراعات داخل فصائل الثورة الفلسطينية والصراعات والتناقضات والعداوات بين البلدان العربية هي التي مكنت عرفات من ان يبقى دائما (نجما) في السياسة العربية وزعيما يحظى بتأييد اغلبية الشعب الفلسطيني .