السينما.. خارج حدود الترفيه حين تُشعل الشاشة التغيير

23

الشبكة العراقية /

ليست السينما مجرد نافذة نطلّ منها على عالم التسلية. إنها أكثر من ذلك بكثير، هي مرآة نرى فيها أنفسنا، وأحيانًا عدسة نعيد بها اكتشاف الواقع الذي نعيشه. منذ اللحظة التي التقطت فيها الكاميرا أول صورة متحرّكة، بدأت السينما تكتب فصولًا موازية لما نعيشه، تُضيء زوايا معتمة من التاريخ، وتمنح الصوت لمن لا يُسمَع.

لقد شكّلت الشاشة الفضية ذاكرة جمعية، وامتدت تأثيراتها أبعد من حدود القاعات المظلمة. فهي لا تكتفي بعرض القصص، بل تصوغ وعينا، وتدفعنا للتفكير، وربما… للتغيير.
قوة السينما
في كل فيلم جيد، ثمة نبض حيّ يشبه دقات قلب مدينة، أو صمت حيّ شعبي في ليلة بلا كهرباء. السينما لا تطرح الأسئلة فقط، بل تُشعرنا بها. نرى من خلالها صورًا تشبهنا: أمًّا تحتضن أبناءها وسط الحرب، عاملًا يسير عكس التيار، أو شابّة تبحث عن حريتها في مجتمع يضيّق الخناق على صوتها.
كل مشهد، كل حوار، كل صمت بين سطرين، قد يحمل رسالة. الأفلام التي تتناول الفقر، التمييز، أو غياب العدالة، لا تحكي قصصًا بعيدة، بل تعيد ترتيب الوجع داخلنا بشكل جمالي، يحوّل المشاهدة إلى فعل تعاطف. وهنا بالضبط، تكمن قوة السينما: في جعلنا نرى، لا فقط نُشاهد.
أثر لا يمحى
ما الذي يجعل السينما أكثر من مجرد فن؟ إنها تلك اللحظة التي يخفت فيها الضوء، ويبدأ العرض، فتتوحّد عيون الغرباء على شاشة واحدة. رغم أننا لا نعرف من يجلس بجانبنا، إلا أن الضحكة، الدمعة، أو القشعريرة التي نشعر بها جميعًا، تربطنا بتجربة إنسانية عميقة، لا يمكن اختزالها بكلمة “ترفيه”.
في صالة السينما، نجد مكانًا آمنًا لعيش مشاعر قد لا نجد لها مكانًا في الحياة اليومية. نضحك بصوت عالٍ، نبكي دون خجل، أو حتى نغضب ونصفّق في نهاية فيلم غير متوقع. تلك الحرية العاطفية، بكل بساطتها، تترك أثرًا لا يُمحى.
وسيلة علاجية
في عام 2009، سجّل العالم أكثر من ستة مليارات دخول إلى صالات السينما، رقم يقارب عدد سكان الأرض. وكأن كل إنسان أراد أن يدخل، لمرة واحدة على الأقل، إلى هذا العالم الموازي. ليس فقط للهروب، بل ربما لاكتشاف شيء عنه… أو عن نفسه. على إثر ذلك الاقبال، سجلت أعلى إيرادات شباك تذاكر حينها، بلغت أكثر من ثلاثين مليار دولار أميركي.
السينما لها قدرة الوصول إلى العقل والقلب في آنٍ معًا، لهذا بدأت دراسات كثيرة تتناول دورها في التأثير على الصحة النفسية، في تقليل القلق أو تحسين المزاج، وحتى استخدامها كوسيلة علاجية في بعض الأحيان. إنها فن، لكنها أيضًا أداة تواصل، ومجال للاستكشاف الفردي والجماعي.
إيقاظ الأسئلة
السينما لا تُغني عن الواقع، لكنها تمنحنا أدوات لفهمه. لا تغيّره وحدها، لكنها توقظ الأسئلة. وبين مشهد وآخر، وبين كلمة تُقال وصمت يطول، تظل السينما لغة عابرة للحدود، تزرع بذور التغيير في قلوب من يشاهدونها.
لذا، لا تستهينوا بما تفعله تلك الشاشة في الظلام. أحيانًا، تكون لحظة الإظلام تلك بدايةً لنور مختلف.