في غالبية المهرجانات الثقافية لماذا يحتفى بالشعر دون السرد؟

389

استطلاع أجراه: علي السومري/
لا يخفى على الجميع، وبالأخص المراقب للمشهد الثقافي، كم المهرجانات الشعرية التي تقام في العراق، حتى وصل الحال لافتتاح أكثر من مهرجان في أقل من أسبوع، سواء في العاصمة بغداد أو المحافظات الأخرى. “مجلة الشبكة” رصدت هذه الظاهرة، وتوجهت بأسئلة منها: هل الشعر بحاجة الى هذا العدد من الملتقيات الشعرية؟ وما الذي تضيفه للحركة الشعرية وتطورها؟ ولماذا لا تكون للسرد مهرجانات توازي ما يقام للشعر؟
أسئلة توجهنا بها الى عدد من المثقفين.
إفراط وعشوائية
الشاعر طالب عبد العزيز، في معرض إجابته عن سؤال هل نحن بحاجة لهذا الكم من المهرجانات قال: “أبداً، هناك إفراط وعشوائية، وهناك ارتجال وتسويق لا معنى له. ومن يعتقد أن كثرة المهرجانات عافية للثقافة فهو واهم، بعد أن خرج الأمر عن مركزيته الى فوضاه، حتى بتنا نجد مؤسسات وشخوصاً وهميين يقيمون مهرجانات شعرية، وفي مناسبات لا علاقة لها بالثقافة، ولا قيمة فنية لها، كل الغرض منها هو التسويق لهم، أما ما يمنح من جوائز وشهادات فذلك السخف بعينه.” مبيـناً أن “على الوزارة والجهات ذات الصلة الانتباه لذلك، لأن هذه الممارسات تشكل خطراً على الثقافة العراقية،” مشيراً إلى أن “إدارة الثقافة وتسويقها أهم من الثقافة وتسطيحها بهذا الشكل.”
تجمعاتٌ شعرية
أما الكاتب والأكاديمي الدكتور خالد خليل هويدي فقد تحدث عن هذه الموضوعة قائلاً: ” أعتقد أن سؤال الاستطلاع يأتي في سياق مرحلة مهمة تتكاثر فيها ما أسميها شخصياً بـ (التجمعات الشعرية)، فقبل فترة قريبة عُقدت بصورة متزامنة خمسة مهرجانات شعرية، ولا نعرف الأسس الجمالية أو الشكلية أو التجريبية التي كانت سببا في هذا التعدد؟ من وجهة نظري أعتقد أن الذهنية التي ورثناها من عهود الدكتاتورية تعلي من شأن الشعر على حساب بقية الفنون ذات البعد المعرفي والمنهاجي، وهي ذهنية كانت عاملاً رئيساً في تصدر المشهد الشعري على غيره.” وعزا (هويدي) أسباب تعدد المهرجانات الشعرية إلى حالة التشظي السياسي والمناطقي الذي نعيشه؛ بوجود بعض القائمين على المهرجانات من خلفيات سياسية متناقضة تتنافس فيما بينها سياسياً ومناطقياً. مضيفاً: “لا تحتاج المهرجانات الشعرية في إعدادها سوى دعوة عدد من الشعراء الذين يلقون قصائدهم ليتفرغوا بعد ذلك إلى الحديث وتبادل مجاميعهم الشعرية التي لا يقرأها سواهم، إن قرأٔوها أصلاً، تخيّل أنني أحصيت عدد الشعراء المدعوين الى مهرجان بسيط في إحدى المحافظات فوجدته قد تجاوز حاجز الـ 100 شاعر! ولا أعرف المعيار الجمالي أو الشكلي الذي اعتمد في هذه الدعوات!”
دعايات وإخوانيات
“الشعر يختلف عن باقي الفنون الأخرى، فهو لا يحتاج إلى مسرح ولا إلى كاميرات أو أمور أخرى، لذلك في بلد تحيط به كل هذه النوائب والنكبات، أصبح الشعر عنصراً أساسياً في الشخصية العراقية”، بهذه المقدمة ابتدأ الشاعر والأكاديمي الدكتور حازم هاشم إجابته عن سؤالنا، موضحاً أن هذا انعكس على العقلية الشعرية والانفعالية السائدة التي تحكم الجميع، ربما منذ آلاف السنين في وادي الرافدين، مرتبطة بظواهر الطبيعة ومتغيراتها وعدم استقرارها وعدم الاستقرار السياسي والنفسي والاجتماعي، إضافة إلى اختلاف الأديان والعقائد، مضيفاً أن ذلك: “أدى بالمبدع ومن يحمل هماً للهرب إلى الكلمة.” متسائلاً: “ولكن هل نحتاج إلى كل هذه المهرجانات الشعرية؟” مضيفاً: “لا أعتقد ذلك، أعتقد أن هناك اعتبارات مناطقية، وسياسية ومادية ودعائية تتحكم بمنظومة المهرجانات التي أصبحت وكأنها جزء من لا مركزية البلد بعد عام 2003 لتكون سمة غالبة للمهرجانات، سابقاً كان هناك مهرجان شعري واحد هو (المربد)، بينما اليوم تقام سلسلة من المهرجانات تمتد من زاخو حتى البصرة بطريقة غريبة وفجة ومكدسة، تعتمد على نمط من الدعوات التي هي أقرب إلى الدعاية والإخوانيات.”
ترهل وجمود
عما تضيفه هذه المهرجانات للحركة الشعرية وتطورها، قال الشاعر طالب عبد العزيز: منذ سنوات الحرب مع إيران ومهرجان كبير مثل المربد يعاني من الترهل والجمود وعدم الأهمية، بعد أن بات شاشة لتسويق الحرب ورأس النظام، ولم نحظ، وعلى مدار السنوات تلك بحركة شعرية أو نقدية جايلته أو انبثقت عنه. وما جرى بعد ربيع العام 2003 لا يختلف عن ذلك، فقد اتخذت المهرجانات الشعرية وغير الشعرية الأسلوب ذاته، ولم تحد عنه، وظلت أعمالها تُرتجل، دونما متابعة واعية من نقد ولا دراسة أكاديمية رصينة.” موضحاً أنه لملاحظة ذلك ربما نكون في حاجة الى مراجعة البيانات الختامية للمهرجانات والتوصيات التي صدرت عنها، مضيفاً: “ونسأل ما إذا أخذ ببعض منها؟ أبداً. هناك مال مضيّع، وجهد ورقي يرمى في سلال النفايات.”
طبيعة كرنفالية
في حين قال الدكتور خالد خليل هويدي: “هذا الأمر يؤكد حقيقة عدم إمكانية تصنيف هذه المهرجانات على أنها فعاليات ثقافية، وذلك لأنها تفتقر إلى جلسات