اختطاف صحفي!

429

#خليك_بالبيت

حسن العاني /

في الثالث عشر من تشرين الثاني عام 2019، والوقت قرابة الحادية عشرة قبل الظهر، كنت أتخطى قريباً من مصرف الرشيد في منطقة الصالحية حين تم اختطافي بطريقة اقل مايقال عنها، حضارية ومهذبة ولاتثير الفزع كما هي الحال في عمليات الاختطاف التقليدية ذات السمة الوحشية…
توقفت سيارة الى جانبي وترجل منها شاب يرتدي بدلة ارستقراطية، صافحني بحرارة، ولم تغادر الابتسامة وجهه، كما لم تغادر عبارة (استاذنا العزيز) لسانه، واصر على ايصالي الى اي مكان اقصده، وكان طوال الطريق يعرب عن اعجابه الكبير بقلمي وكتاباتي الصحفية الرشيقة على حد تعبيره، حتى شعرت بالانتفاخ والنرجسية، ثم قدم لي قطعة حلوى امبريالية وقنينة ماء، وبعدها علبة سجائر من النوع الفاخر، بحيث عدت الى التدخين برغم مقاطعتي له منذ اربع سنوات.. وتحدثت احاديث مخيفة عن مستقبل الحريات الصحفية في البلد، ويبدو انني كنت اهذي بسبب مادة مخدرة في السيجارة او قطعة الحلوى.. وهكذا فقدت الوعي وتم اختطافي الى جهة مجهولة.. وحين افقت لاحقاً واكتشفت حقيقة وضعي، انتابني الرعب، وشعرت بالندم على اللحظة التي اخترت فيها العمل الصحفي !!
خيرني المختطفون بين التعذيب او الاعتراف، فوافقت في الحال على تزويدهم بأية معلومة يطلبونها (في داخلي كنت مطمئناً لان الصحفي في العراق مثل الزوج، اخر من يعلم) سألوني عن الاسم الثلاثي لرئيس تحرير هذه المجلة او تلك الجريدة أو ذلك المطبوع، فذكرت لهم على وجه السرعة، الاسم الرباعي واللقب والكنية وعدد افراد الاسرة والحالة الاجتماعية ومنطقة السكن، فاحسنوا الظن بي، ثم سألوني عن اسماء وعناوين ومواليد (56) مسؤولاً حكومياً وحزبياً فأجبتهم بوضوح رفع رصيدي من الثقة لديهم، وفيما كانوا يوثقون كلامي بالصوت والصورة، كنت احمد الله الف مرة، واشكره عظيم الشكر، لانهم لم يطلبوا مني تقديم معلومات دقيقة عن شهاداتهم، واسماء الجامعات التي انتسبوا اليها والكليات التي تخرجوا فيها، لأنني لو انكرت معرفتي بها – وهذه هي الحقيقة فلا انا ولا احد غيري يعرفها – لاتهموني بالتستر او التواطؤ وعرضوني الى التعذيب!!
اعرب المختطفون عن تعاطفهم معي ووصفوني بعبارة تنم عن ارتياحهم الكبير (انت انسان متعاون) ثم سالوني سؤالاً سياسياً بعيداً عن مهنتي الاعلامية “كيف تفسر المشاحنات الحادة والاتهامات المتبادلة بين السياسيين” وهو سؤال يدل على غبائهم المفرط، لان العراقيين جميعهم يعرفون هذه “الظاهرة” ولذلك اجبتهم بما معناه: المعارك هي “العاب” سياسية يصدرونها الينا عبر الفضائيات، اما “الحقيقة” فانهم يجلسون بعد كل معركة على مائدة طعام فاخرة يتبادلون فيها احدث النكات على العراق الجديد… هزوا رؤوسهم وتحولوا الى سؤال جديد، قالوا عنه: انه الاخير.. لو اجبتُ عنه بصدق يطلقون سراحي وهو “ماهي الاحزاب التي تمول من تبرعات منتسبيها، وماهي الاحزاب التي تمول من الخارج؟” اجبتهم “لا اعرف”، فمنحوني فرصة كي اتصل على الموبايل بمن اشاء طلباً للعون، فأجريت(50) نداء مع اساتذة ومحللين سياسيين، ولكن من دون جدوى، ولهذا قرروا قتلي ورمي جثتي على سياج المنطقة الخضراء.. فجأة حضر زعيمهم، وعندما رآني (يبدو انه عرفني من صوري التي تنشر في المطبوعات “خاطبهم غاضباً” حيوانات.. الم تجدوا غير هذا الصحفي البليد.. وبعدين الجوع كاتله، سألني حول اوضاعي المعاشية فأخبرته “انا متقاعد” وماكدت اخبره ان راتبي التقاعدي (496) الف دينار حتى اطلق هو وجماعته ضحكة مدوية متضورين انها (نكتة)، وحين تيقن الزعيم ان هذا هو راتبي فعلاً بعد 21 سنة وشهادة جامعية، كاد يبكي مع انه مجرم، وامر لي بمليون دينار واطلاق سراحي فوراً… وهكذا اقتادوني وانا معصوب العينين واوصلوني الى منزلي… في الايام اللاحقة بدأت احضر امام مصرف الرشيد يومياً لعلهم يختطفونني من جديد!!