الآنسة الشقراء.. تفقد بريقها

982

نجوى عبد الله /

قبل أيام معدودة سمعتُ طرقا على النافذة، تأكد لي بأنها امرأة، ربما احدى الجارات أو الصديقات، لكني تفاجأت بالزائرة الشقراء الشاحبة، أجل عرفتها، إنها صديقة عراقية تمتد صداقتنا لخمس سنوات مضت من اقامتي في شمال شيكاغو .. ياللهول ماذا حدث لها؟ جلستُ مذهولة أمامها لست أدري بماذا أتحدث، وكيف أعاتب الزمن بأن جعل من حسناوات بغداد وأجملهن بهذا المصير المؤلم الحزين!

كانت ترثي حالتها الصحية، خاصة في غربتها، ووحدتها القاسية في الحياة بشكل عام وفي أمريكا بشكل خاص ومعاناتها مع الأطباء في شرح حالتها الصحية فهي تنحف رويدا رويدا، لتبدو الان وكأنها شبح يقترب من الزوال ليفنى في عالم المجهول.

مازلتُ صامتة أتطلع إليها متسائلة ومقارنة بين هيئتها الحالية وهيئتها قبل خمس سنوات، كيف تغير وجهها الجميل الى شاحب مرعب محاط بالتجاعيد والسواد، وسيقانها البيضاء الرشيقة سابقا التي صارت تبدو كقصبتين.. لقد اختفى كل شيء ما عاد لها سوى حلم أن يأتي ابن أختها الصغير كلاجيء الى امريكا كي تعيش في كنف رعايته ورعاية زوجته اذا كانت وفية لها .. وكل ما تملكه من مال لقاء عملها في امريكا سوف تبذره، لا بل صرفته على ابن أختها الصغير العاشق الولهان لزواجه وعلى اجراءات معاملة لم الشمل.. أجل لأنها خائفة الآن وتشعر بحاجة ماسة لمن يهتم بها وبما تبقى من عمرها.. ودعتني وهي تردد ليس لدي أحد، ليس لدي أحد.. لم أتزوج.

غادرتني الآنسة العراقية صاحبة الرداء الأسود دوما التي مازالت تحتفظ بأناقتها المعهودة وشعرها الأشقر، وهدوئها المعتاد.. غادرت تاركة لي ذكريات جميلة كانت لنا في شمال شيكاغو.. أراقبها من بعيد وهي تختفي بين أرصفة المكان..

ماذا جنته من حبها العنيد لحبيبها الأول؟ هل يستحق كل هذه التضحية والمعاناة؟ يا ترى ماذا سيفعل لو علم بحالها وبأنها أفنت زهرة شبابها وجمالها وحياتها كأية امرأة تخلت عن حقها في الزواج والأمومة.

لن يفعل شيئا لأنه سابقا لم يفعل شيئا، لقد تزوج وأصبحت لديه عائلة وانشغل بها بعدما قوبل بالرفض على خطبتها من قبل اخيها وابيها المتعصبين.

هذه القصة العراقية الحقيقية المؤلمة هي مثال حي لقصص كثيرة تعيشها نسوة عراقيات ويجب ان تدرك نتائجها كل شابة عراقية تفضل الوحدة على الزواج من غير حبيبها، مبررة ذلك بالعناد والتكبر على قرار الأهل بالموافقه والرضا عمن اختاره قلبها.

وكذلك ليطلع عليها كل أب وأخ عراقي يرفضان تزويج ابنتهما أو أختهما لمن تحب بحجج تقليدية واهية وأفكار سطحية متخلفة، وكأنهم أصحاب الرؤية السليمة وبيدهم مفاتيح السعادة لابنتهم أو أختهم.. تذكروا جيدا بأنكم سوف ترحلون وتتركون إبنتكم أو أختكم العاشقة الحقيقية وحيدة مكسورة الخاطر والجناح مثل صاحبة قصتنا التي غادرها والدها وأخوها وهو في عمر الشباب لتواجه مصيرها المجهول كأمرأة وحيدة لا حول لها ولا قوة.