الدماغ.. أسرار تدهشك!

1٬004

د.قاسم حسين صالح/

هل تصدق ان الدماغ «المخ» يستجيب للفرح والسعادة بطريقة مختلفة عن استجابته للحزن والاكتئاب؟ وان النشاط الذهني في الحالتين له علاقة بطول عمرك، إذ احدهما يطيله والآخر يقصّره؟!.
الدراسات الحديثة توصلت الى نتائج مثيرة عبر اجهزة الرسم الكهربائي للمخ والرنين المغناطيسي، تفيد بأن التعبير عن أي شعور أو انفعال حدث لك في الماضي وتتذكره الأن أو تتخيله فأنه يحدث تغييرات في مناطق مختلفة من المخ. فقد تأكد للباحثين ان الحزن بوصفه نشاطا انفعاليا ووجدانيا يسبب انخفاضا في نشاط قشرة مقدمة الجبهة بينما يكون التعبير عن السعادة مصحوبا بزيادة في مثل هذا النشاط. والمدهش أن هذه الدراسات قدمت برهانا جديدا على صلة التفكير بالحالة العضوية، بأن وجدت أن النشاط بالقشرة الأمامية من الجبهة يكون مرتبطا بطريقة التعبير حزنا كانت أو سعادة، ولكن في اتجاهين مختلفين.. بزيادة في النشاط الكهربائي في حالة السعادة وبانخفاضه في حالتي الحزن والاكتئاب!.
هذا يعني انك حين تفكر وانت مبتهج فأن الفصوص الجبهية للمخ تنشط و”تبتهج” وتتزايد فيها كمية الأفكار، وانها تخمد وينطفيء نشاطها حين تكون في حزن واكتئاب. ويقول احد المفكرين ممن اطلعوا على هذه الدراسة معلقا على أثارها النفسية الضخمة على الشخصية: (عندما اطلعت على هذه الدراسة، احسست ان فيها الخلاص لي أنا شخصيا. فقد جعلتني اتذكر كلّ الأوقات عبر السنين التي كنت اشعر فيها بالحزن والكآبة حيث كنت اجاهد في تغيير حالتي النفسية دون جدوى، إذ تظل خلالها أفكاري شحيحة، ولا اقع على أية فكرة مثيرة، فيتعمق شعوري بالحزن اكثر ويتحول الى شك بالذات وكآبة تحولّني الى انسان غبي يفتقر للخيال والابداع).
وبفضل سلسلة من تجارب تستهدف تأكيد قوة العلاقة بين طرائقنا في التفكير وبين ما يصحبها من مشاعر وتغيرات في سلوكنا، فقد تحقق الآتي:
اولا: تزايد فهمنا للمخ من حيث استجاباته الكيميائية والكهربائية للمشاعر والانفعالات.
ثانيا: صرنا نفهم افضل لحقيقة تطابق التعبير بين المزاج والتفكير وبين السلوك، وصرنا نعرف ان التفكير في شعور أو حالة نفسية ما يحدث تغييرا في النشاط الكهربائي للمخ وتغييرات كيميائية ووجدانية مطابقة.. فضلا عن تأثيرها في نوع علاقاتنا بالآخرين.
وقدمت هذه الدراسات حقائق أخرى مثيرة بدأها العالم النفسي “دافيدسون” الذي استطاع ان يقيس نشاطات المخ الكهربائية عبر جهاز الرسم الكهربائي ويحدد بالضبط نوعيتها عبر الحالات الوجدانية المختلفة التي يعيشها الفرد. وتوصل الى ان تزايد هذه النشاطات بالمخ، نوعيا أو كميا، يرتبط بالحالة الوجدانية للشخص وما يشعر به من انفعالات ايجابية أو سلبية. ووجد ان الفرد الذي يسيطر علية الشعور بالسعادة أو الفرح يزداد لديه النشاط الكهربائي بالجانب الأيسر من المخ فيما يزداد هذا النشاط في الجانب الأيمن منه حين يشعر بالقلق والاكتئاب.
ان نتائج البحوث العلمية هذه ينبغي ان يستفيد منها طلبة الدراسات العليا في أقسام الطب النفسي وعلم النفس، خاصة الذين تتعلق بحوثهم بالبرمجة العصبية، كما انها تنبّه الاعلاميين والصحافيين وكتّاب المسلسلات التلفزيونية الى حقيقة ان الجانب الأيمن من أدمغة العراقيين تعب عبر ست وثلاثين سنة من كثرة الاحزان والقلق والفواجع، وان الجانب الأيسر منه سيضمر لأنهم ما عاشوا البهجة والفرح.. فرفقا بهم قبل ان تتعطل وظائف أخرى في أدمغتهم.. تعرفونها!