الكلمات أم الطبلة؟!

804

عامر بدر حسون /

ربما سنحتاج الى ربع قرن كي ننجح في الاتفاق على قصيدة مناسبة للنشيد او السلام الوطني!
فهذا النشيد مطلوب منه أن يعبر عن المشتركات التي ينبغي أن تجمع عليها الغالبية العظمى من العراقيين.. وأن يعبّر عن المستقبل الذي يريدون الوصول إليه معاً.. وأن يذكّر بالماضي الذي يلهمهم في خطوتهم للمستقبل.. أو أنه يعبّر عن جمال في طبيعته وخصال حميدة في مواطنيه.. الخ.
وبقدر ما يبدو هذا الكلام مدرسياً في وضوحه وسهولة تطبيقه، إلا أن الشيطان الذي يسكن في التفاصيل، كما يقال، سرعان ما سيلعب بالجميع ويجعلهم “شذر مذر”!
وليس فيما تقدم أي تظارف، فهذا هو حالنا منذ ان فكّرنا بالنشيد الوطني ولم تمر علينا دورة انتخابية إلا وكان هذا الموضوع مطروحاً للنقاش فيها. وكذا في الصحافة ووسائل الإعلام والتواصل وهو سيبقى كذلك لوقت طويل..
ربما كان السبب في هذا أننا نمتلك براعة في إيجاد ما نختلف عليه حتى في البديهيات، اذ لم نتفق بعد على شيء نعتبره بديهياً في حياتنا السياسية خصوصاً!
والقضية ليست جديدة.. أذكر أنه في التسعينات عقد مؤتمر في دمشق للمعارضة على أعلى المستويات وأحيط برعاية سورية وإيرانية عالية، وتم فيه تذليل كل العقبات التي تعترض توحيد هذه القوى.. لكنهم ما إن وصلوا للبيان الختامي حتى اختلفوا.. وعلى ماذا؟!
لقد اختلفوا صراحة وعلناً على: هل يبدأ البيان ببسم الله الرحمن الرحيم أم لا؟!
وفشل المؤتمر بعد أن أصرّ كل طرف على موقفه “المبدئي” من هذه القضية!
وبعد فترة ذهبت بعض الأحزاب لرجل الدين اللبناني محمد حسين فضل الله وشكوا له الخلاف فقال لهم:
– الحل كان بسيطاً لو أردتموه حقاً: يصدر البيان وكل حزب او طرف ينشره كما يريد.. فيضع البسملة في مقدمته او لا يضعها!
وهذا فارق جوهري في آلية التفكير عند العراقيين وغيرهم، فنحن نبحث عن الاختلاف من أجل أن نفرض رأينا فيه، فيما غيرنا يفكر بالحل ولهذا قيل إن العقل الذي يخلق المشكلة لا يستطيع إيجاد الحل لها!
ونعود للنشيد الوطني والكلام الذي سيتضمنه وسنرى أنه سيكون بوابة لجحيم خلافات لم تحسم تاريخياً أو على أرض الواقع.
فإن ذكرت فيه مكارم ومفاخر العرب سيسأل الكرد والتركمان وغيرهما: وماذا عنا نحن؟ ألسنا أبناء هذا الوطن؟
وعندما تذكر في النشيد كربلاء والإمام المدفون فيها، فإن ابن الفلوجة والموصل سيسأل: وماذا عن رموزنا نحن؟ (وهذا حصل فعلاً!)
أية قضية ستتم الإشارة لها في النشيد ستثير الخلافات، لأن الأشياء مرتبطة ببعضها وسيهدر الكثير من الجهد والوقت في قضية جانبية.
لكن هل نبقى دون نشيد او سلام وطني لهذا السبب؟
يقول مثل إفريقي: “إذا ضعت في الغابة فتذكر من أين أتيت” وفي موضوعة النشيد نحتاج الى تذكر البدايات وسنرى:
أن العراق منذ تأسيسه عام 1921 وحتى عام 1963 كان له نشيد وطني او سلام جمهوري مكتوب بلغة جامعة مانعة ومفهومة من كل المخلوقات.
كانت لغة النشيد يومها هي الموسيقى والموسيقى فقط!
***
دول عديدة في العالم لجأت لهذا الحل الراقي ومن الضروري اللجوء اليه في وضعنا العراقي الملتبس.
لتكتب موسيقى النشيد او السلام الوطني أولاً.. وليكن على ايقاع الهيوه او الدبكة او ايقاع بتهوفن (المهم أن تكتب الموسيقى بشكل راقٍ واحترافي) ولنترك للعراقيين تخيّل الكلمات التي يريدونها.. فهي في النهاية ستكون خاضعة ومنسجمة مع الموسيقى!
لا حلّ آمناً وسليماً للخروج من المفاضلة بين الجواهري والغريري والساهر سوى هذا.. وعسى أن تصدح موسيقى سلامنا قريباً.