بانتظار جواب

719

نرمين المفتي /

حفظت الوجوه التي في طريقي من البيت الى المكتب صباحاً و بينها وجوه المتسولين الذين معظمهم ما يزال يدعي انه من المهجرين العراقيين والنازحين السوريين وغالباً ما تفضحهم لهجتهم، وبينهم صغار يبيعون الماء البارد في الصيف واحياناً تأتي وجوه جديدة، أراها ليوم او يومين.
قبل اسبوعين، صادفت وجهاً جديداً، رجلاً بشعر ابيض ووجه تعب، لا يستطيع التقافز بين السيارات كما باعة المياه والمتسولين، يبيع حلويات للاطفال، يعرض اربعاً منها والباقي في كيس قماش معلق بذراعه، بالكاد يتحمل ثقله..
سألته عن عمره فقال انه من مواليد ١٩٦٢! وبسبب ظروف عائلته لم يكمل دراسته بعد الابتدائية، واستدعي للخدمة الالزامية في تموز ١٩٨٠ و تم تسريحه في ١٩٩٢ و الوحدة التي خدم فيها، كانت في الحرب لثماني سنوات ورجعت الى معسكرها في الرشيد لفترة وجيزة ومن ثم تم ارسالها الى الكويت، وكان من الناجين من طريق الموت وهو والآلاف من الجنود الذين امرهم النظام السابق بمغادرة الكويت قبل يوم واحد من وقف إطلاق النار الرسمي دون معدات او اسلحة.
ارتاح لأسابيع وبدأ يبحث عن وظيفة حكومية ليتقاعد خاصة وان الخدمة العسكرية اثناء الحروب تعتبر مضاعفة، لكنه لم يجد اية فرصة، والعمل الوحيد الذي وجده كان الوقوف على المسطر، والذي ساعده على تربية بناته الثلاث و تزويجهن، قال “بناتي و ازواجهن لم و لن يقصروا بواجباتهم معي ووالدتهم، و لكن وضعهم المالي بالكاد يكفيهم”.
ابنته الكبرى تسكن مع زوجها و صغارها في بيت باحدى العشوائيات والوسطى والصغرى مع عائلتيهما تؤجران مشتملاً واحداً و تتقاسمان الايجار، ولانه لم يعد قادرا على حمل الطابوق والبلوك، اختار البيع في الشوارع.. والمبلغ الذي يجمعه يوميا، يدفع منه ايجاراً للغرفة التي يسكنها في منزل تسكنه خمس عوائل وتشترك جميعا بحمام واحد ومرافق صحية واحدة ولا يوجد مطبخ فيها، كل عائلة تطبخ في غرفتها.. وعن المبلغ الذي يحصله يوميا، قال “خير من الله، لايقل عن 6000 آلاف واحيانا يزيد عن 10 آلاف دينار”.. واضاف انه تعود على الحر والبرد ايضاً، “في مواضع الحرب، تحملنا ظروفا أقسى، اختي الله كريم”.
طوال خدمته و مثله عشرات الآلاف من الذين امضوا اكثر من ١٠ سنوات في الخدمة، لم يمنحوا اية امتيازات ومن بينها قطعة ارض، لانهم في الخدمة الالزامية وليسوا متطوعين..عشرات الآلاف انهوا شبابهم في حروب دخلوها مرغمين وتم نسيانهم تماما..من ينصفهم ؟ سؤال بحجم الوجع، هل ننتظر جواباً؟..