بلد العميان!

653

عامر بدر حسون /

سألخص هنا قصة قصيرة مع رجاء ان “لا ياخذ احد على نفسه او على بلده”!
***
سقط بطل القصة (وهو مثقف ومتسلق جبال ونسيت اسمه) من الجبل فوصل الى مدينة في اعماق الوادي اسمها بلد العميان، لان جميع سكانها عميان، هم اصلا لا يعرفون بعماهم فهم ومنذ قرابة اربعة عشر جيلا وهم في هذه الحالة!
لكنهم رغم ذلك كانوا سعداء ومنظمين بشكل كامل.. فهم ينامون في النهار ويعملون في الليل (هم لا يعرفون الليل من النهار، لكنهم يعرفون ان الوقت الاكثر دفئا هو موعد النوم والاكثر بردا هو موعد العمل) ولهم اساطيرهم عن البداية والنهاية والحياة وما بعد الحياة، فهم يظنون ان الارض مسطحة وصغيرة وان فتحة ما توجد فوقهم هي رابطهم بالسماء، ولهم فقهاء وعلماء وشيوخ يديرون امورهم. وهم يؤمنون ان اي سوء يلحق بهم فهو عقاب لهم من الله على اعمالهم الطالحة!
اضافة لهذا فهم يعاملون الطيور كملائكة او شياطين لانهم يسمعون صوتها ولا يستطيعون الامسالك بها!
***
عندما يصل صاحبنا الى هذه البلاد يكتشف عماهم ويرى ان حواسهم الاخرى قد نشطت بشكل مبدع، فهم يعرفون كل واحد بايقاع خطواته وربما برائحته، وعندما يخبرهم انه جاء من مدينة كبيرة فيها مئات الآلاف من البشر لا يصدقونه لانهم لا يعرفون ان هناك عالما غير عالمهم!
وعندما يتحدث لهم عن البصر وما هو موجود في الحياة يسالونه:
– وما هو البصر؟!
***
وبسبب افكاره وحديثه عن البصر والالوان والنور والغابات والبحار يتم التعامل معه كمريض في عقله، والاخطر انهم يحددون مرضه في افكاره وعقيدته.. ويعتبرون ان سبب مرضه هي عيونه غير المطموسة كعيونهم!
وكما في كل القصص يقع صاحبنا في حب فتاة منهم ويريد ان يتزوجها، لكن الشيوخ يخبرونه انهم سيجرون له عملية طمس لعينيه حتى يفكر مثلهم ويصبح منهم!
ولان الحب أعمى والمقاومة لشعب او بلاد ليست سهلة، فانه يوافق على العملية.. لكنه وقبل التنفيذ يرفع رأسه فيرى السماء والمراعي والجبال والطيور والانهار فيقرر الهرب والانتماء للحياة.
***
هذه القصة كتبها الروائي والقاص الانكليزي الشهير هربرت جورج ويلز ونشرها عام 1904 ولم يتهمه احد يومها انه يعرّض بالانكليز ويتهمهم بالعمى لان افكاره كمثقف لا تتماشى مع افكارهم، بل خلدوه وخلدوا اعماله وتعاملوا معه من باب “رحم الله من اهدى اليّ عيوبي”!
***
ما مناسبة هذه القصة وتذكرها اليوم وقد قراتها في ايام الصبا؟
لا ادري!
لكن وبما انني كتبتها فهي فرصة للسؤال عما سنفعله كعرب وكعراقيين بشكل خاص بمن يمكن ان يكتب عن بلد العميان؟
بل ماذا يمكن ان نفعل بمن يذكرنا بالآية الكريمة:
“فانها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور” سورة الحج 46.