بين كاظم الساهر ورضا علي!

1٬181

عامر بدر حسون/

اعتاد الفنان كاظم الساهر ان يقول في مقابلاته التلفزيونية انه غنى لصدام بارادته وانه لم يرغم على ذلك. وهو اعتاد ان يضيف ان لا صحة لوجود ضغط على الفنانين كي يغنوا للرئيس. وهي اقوال لاقت قبولا عند غالبية من العرب والعراقيين ممن اعتادوا تصوير العراقيين كشعب متملق يحب الرقص والغناء لحكامه.

وقبل أيام التقيت بمدرس من أقاربي كان صديقا للفنان الراحل رضا علي، وكان يعمل كما هو معروف في ادارة النشاط المدرسي. وقد تحدثنا عنه مطولا وروى لي الكثير من القصص والمعلومات عنه، ومنها انه ذهب يوما لمبنى الاذاعة والتلفزيون اوائل الثمانينات، فاخبروه انه ممنوع من الدخول للمبنى بقرار من المدير العام.
وعندما استفسر من اصدقائه قيل له ان سبب المنع انه لم يقدم أية أغنية للقائد أو حتى للقادسية!

ذهب الفنان رضا علي (دون ضغط) ولحن وغنى اغنية واحدة للقائد وقادسيته.. واذيعت الأغنية وسمح له بدخول المبنى بعد ان دفع الضريبة، لكنه وبعد ثلاثة اشهر تقريبا فوجيء بالمنع من دخول المبنى مرة أخرى، وقد تأكد بعد السؤال ان اغنية واحدة لا تكفي فترك الموضوع وتوقف عن الغناء والتلحين حتى وافاه الأجل.
هل تتعارض هذه المعلومة مع تصريحات كاظم الساهر؟

كلا! ذلك ان جيل كاظم الساهر كان مبادرا للغناء للقائد والقادسية، وكان هناك زحام على التسجيل وشكاوى من تأخير دور بعضهم في تسجيل اغنياته! تماما كما كانت هناك شكاوى من كتاب وشعراء في تأخير نشر مقالات اعجابهم بصدام وعبقرياته المتنوعة، وقصائد الوله به وبحروبه! واحد أبرز الأسماء كتب رسالة خاصة لصدام حسين يشكو فيها من عدم النشر له برغم اخلاصه ووفائه للحزب والثورة!

وسمعت من مسؤولين بعثيين تكرارا لمثل هذا القول ولكن في سياق آخر. فهم قالوا ان العراقيين هم من كانوا يبادرون لكتابة التقارير على بعضهم، وعندما اخبرتهم ان نظام الحزب كان يحتم على الأعضاء كتابة التقارير على اصدقائهم واقاربهم، كان الرد يأتيني:

– تقرير واحد في الشهر كان كافيا.. لكن الشعب هو الفاسد!

لا جديد في هذا.. اذ طالما تبرأ الجلاد من جريمته بالقائها على الضحية، متناسيا ان الخوف كان يفعل الأعاجيب في مسخ النفوس وفي البحث عن طرق الخلاص.

كانت القصيدة والمقالة والتقرير الحزبي مثلها مثل الأغنية عند كاظم الساهر وابناء جيله من المغنين: تقدم طوعا في الظاهر لكنها كانت أولا وآخرا: وسيلة لغاية.. أو درءا لأذى.

لم تكن سيادة تلك العقلية تدعو الى الاحساس بالخطأ! كانت هي نمط التفكير السائد، وما زالت مع الأسف في ثقافتنا عموما.

لا كاظم الساهر ولا رضا علي شعرا عند الغناء انهما يفعلان شيئا خاطئا.. فالخوف المستشري في المجتمع، يمسخ القيم ويجعل الغناء، والكتابة، لاكبر مجرم في تاريخ العراق عملا عاديا، واحيانا يدعو للمباهاة به!
في أية حفرة كنا؟!

وهل أخذنا عبرة أو خبرة مما مررنا به؟