في مديح الكامل 

622
جمعة اللامي /
“مَنْ يعرف أكثر، يرْتَب أكثر”
(بيوس الثاني)
كان يزرع كنوزه في السماء، حيث لا يستطيع اللصوص العبث بها. ولا يقدر الصدأ على التأثير فيها، ولا يتمكن الجهلة من الاقتراب منها. هكذا هو الفقير، ذلك الماثل للنقص. ولذلك صنع أسطورته الخاصة، لأنه لم يكن سوى نفسه، فهو لم يعول على الغير، ولم يقلد الآخر، بل سار مع الجموع : منفرد الخطو، سريع الخطى، كما لو أنه سارية، غير قابل للانحناء.
كان يقول : “إنني تجاربي الفاشلة!!”.
ولم يتوقف بعض ناقديه أمام هذه المقولة، بالجدية التي يتطلبها مفهوم النقد. هؤلاء لم يكونوا ملاّحين، ولم يجربوا حلاوة المشي بين الحقول، ولم يطلقوا أصابعهم وراء الحرائق في الصخور، ولم تتجرح أقدامهم، وهم يسيرون على سجاجيد الاستبرق. ولم يكتشفوا قلوبهم.
أنت تحتفظ بالكثيرعندما تشاهد الكثير، مثل ذلك العصفور الصغير، الذي يولد طائراً، ويعيش طائراً، ويقال إنه يموت طائراً. هل جربت ان تستمع إلى تعريف “الوقت المناسب”؟  ولكن ما هو “الوقت المناسب” هذا، الذي نتحدث في شأنه كثيراً، أو نطلبه باستمرار؟ إنه ذلك العصفور، الذي ولد طائراً، وعاش طائراً، وقيل إنه مات طائراً، ورأى كل شيء، كما لو انه هو قلقامش “الذي رأى كل شيء” فغنت باسمه الفلوات؟
كتب الشاعر الفرنسي لامارتين في إحدى صفحات يومياته: “إن الاهتمام باليومي، يكفي لكل يوم”، فكيف بك أيها الطائر الصغير، وانت تعيش الأزلي؟ في مثل هذا الوضع، ينبغي ان تكون خارج السرب، وأن تطير، ثم تحلق عالياً، بل عالياً جداً، بعدما تقود ذلك السرب المرسوم على أحد الجدران القديمة، وانت مصر على الإصرار، ومرتاب في الارتياب ذاته.
انطقَ شكسبير”عُطيلاً” الحكمة التالية: (أن يكون المرء مرتاباً، يعني أنه الآن مصمم)، وهو بهذا يكون قد وصل إلى الصفحة الأخيرة من قاموس الكمال. وهذا صحيح تماماً، فالإنسان مثل الماء، يتحول إلى مستنقع عندما لا يجري. أنظر إلى النهر الذي هو النهر وليس النهر في كل لحظة.
وهذا هو المستنقع الذي يبدو ازرق رائقاً، لكنه ساكن، لا تسمع منه سوى نقيق ضفادع كسلى، ودمدمات حشرات لا تستطيع صناعة قاموسها الخاص.
لماذا تركت البحر، إذاَ يا صاحبي؟