كلمة أولى

1٬029

رئيس التحرير/

تقول بعض الأفكار العلمية أن الغلاف الجوي المحيط بالكرة الأرضية يحتفظ بكل الأصوات المتداولة بين المخلوقات على الأرض، بشرا وطيورا وحيوانات، منذ آلاف السنين وحتى اليوم، وهذا يعني أن بوسع العلماء وخبراء الصوت وأجهزة السمعيات، نقل مامسجل في الغلاف الجوي على دسكات أو اسطوانات، وسيكون بوسع أي انسان الحصول على اشرطة كاسيت أو فلاشات فيها كل كلام قاله منذ ولد وحتى الآن. بما في ذلك صرخته الأولى وهو يولد في مستشفى الطواريء أو على يد داية قريبة من منزل العائلة.

وعلى عظمة هذا الاكتشاف العلمي غير المسبوق، لكن سؤالا مشروعا سيبرز فورا وهو التالي: ترى مانفع الاحتفاظ بهذا الكم الهائل من الكلام أو الأصوات ونحن نعلم أن تسعة وتسعين بالمائة منه مجرد هراء في هراء؟

ترى هل نحتاج مثلا لاعادة سماع خطب صدام حسين وأدولف هتلر وموسليني  والنميري، أو بقية الطغاة في التاريخ؟ وهل نحن بحاجة فعلا لاعادة سماع نقيق الضفادع وهسيس الأفاعي ونباح الكلاب ونهيق الحمير ونعيق الغربان، مثلا؟ وهل نحتاج فعلا لاعادة سماع ملايين الاشرطة من الأغاني الهابطة والمسرحيات التافهة وقصائد الشعر الرديء؟

اسئلة مشروعة بلا شك لكن مع ذلك سيبقى هناك ما يمكن اعادة سماعه من كلام والإفادة منه، مثل خطب لرجال دين حقيقيين يؤمنون فعلا بالتسامح والتعايش بين البشر من دون تفريق بينهم.. قادة كبار صنعوا لشعوبهم فرص  الحرية والرفاه والحياة الكريمة، عباقرة في الطب والهندسة والعلوم قدموا للإنسانية ابداعات ومنجزات، فنانين كبار صنعوا الأغنيات الراقية والموسيقى الرائعة والمسرحيات العظيمة.. فهؤلاء هم صناع الحياة الحقيقيون الذين نتشرف بالاستماع لكلامهم وانجازاتهم.