ما بعد الموصل..عودة العراق

858

د. علي الشلاه/

تكثر الأطروحات هذه الأيام، ومع تحرير الموصل ومحيطها، عن عراق ما بعد الموصل. والمنطق يقتضي عدم التساؤل عن ذلك مطلقاً لأن الوضع غير الطبيعي الذي ينبغي التساؤل عنه هو عراق ما قبل تحرير الموصل حيث قُضمت خارطة الوطن وتشرذم مواطنوه من جرّاء أفكار متطرفة متشدّدة جاءتنا من جحور تورا بورا وامتزجت مع عنصرية البعث ودمويته.

عراق مابعد تحرير الموصل هو عراق ما قبل اختطافها، وهو العراق العريق الذي بزغ من جديد مع بداية القرن العشرين وكتبت دماء أبنائه منذ ثورة العشرين تاريخه الجديد، عراق متآخٍ متسامح قاوم الطغاة والغزاة وآثر على نفسه من أجل قضايا الحرية والخير والعدالة، عراق صُبّت عليه كل كوارث الدهر ولم يكفر أبناؤه به وظلوا يحملونه عيداً ومأساة وتعويذة مستقبل.

عراق قادم من المستقبل والماضي حملته سواعد الشجعان الأبطال من ثغر البصرة حتى أقدام الجبال الراسخات في أقصى شماله، ولذا فلا خوف عليه بعد التحرير بل الخوف على الذين تهرّبوا منه وباعوه لحظات احتاجهم ليعيد لهم وجوههم وهوياتهم وسمرة آبائهم التي تمزقت تحت أقدام الغزاة، وتنظيمات آسنة فقدت سطوتها وقذفت نفسها في هاوية سحيقة بعد أن أساءت الى المقدّس الديني المتسامح وأدخلت الأمة الإسلامية في خانق ضيّق شرذمها وبدّد ثرواتها وأعادها الى القرون الوسطى وقدّمها الى العالم بثوب من العنف والكراهية والعدوانية المدمرة.

ويظل السؤال قائماً أمام أولئك الذين ارتبكوا أمام الاختبار وخياراته برغم وضوحها، كيف انحزتم الى الظلمة والدمار والموت وأنتم ترونها رأي العين، وكيف أيّد بعضكم وصمت آخرون على مرأى الطفولة المذبوحة والنساء في سوق النخاسة باسم الإسلام.