وردةُ غالية بنت الجلوازي

388

جمعة اللامي /

” ما من هدية نقدمها لوطننا أفضل من تربية صغارنا وتثقيفهم.”
( شيشرون)
أما ابنة جارنا، غالية بنت الجلوازي، فتقول شيئاً آخر: “شقيتُ بأهلي ومعهم، يا عم.” هكذا أخبرتني هذه الشابة الأربعينية ذات يوم، بينما كنا نسير معاً على كورنيش البحر، وهي تبكي صامتة: “وكيف أبدأ يا عم، وأنا جاوزت الأربعين من عمري؟”
مشكلة غالية أسرتها: أبوها وأمها وإخوتها، فهم ليسوا منشغلين عنها بأمور دنياهم فقط، بل إنهم غير معنيين بها، اللهم سوى أنهم حولوها إلى خادمة بينما هي ابنتهم، وطباخة في حين أنها أختهم. وهكذا مرت العقود على هذه البنت التي تعاني “تأخراً عقلياً طفيفاً”، لتتحول إلى نموذج بيّن للصمت؟
تقول أمها : “هذا هو نصيبها.” ويقول والدها: “ماذا نعمل لها؟ إنها راضية بقسمتها.” وإذا قال أحدنا لإخوتها الثلاثة “اعرضوا البنت على طبيب نفساني،” يتصدى لك أكبرهم، وهو المتعلم بينهم: “ليس عندنا بنت تعرض حالها على طبيب للمجانين!”
وإذا أحسنت الظن وقلت لهم: “يا ناس ابنتكم ليست مجنونة، ولا هي ممسوسة، وإنما هي مريضة، مثل أي إنسان مريض بالديزانتري، أو الإنفلونزا، أو الالتهاب الرئوي،” يزداد قرفهم من تدخلك في شؤونهم ويضعون أصابعهم في آذانهم!
قبل أُسبوعين رنّ جرس باب بيتنا، ولما خرجت ابنتي لتعرف من هو الطارق، كانت غالية تقف عند الباب، وهي تحمل صينية فضية صغيرة، على سطحها وردة جوري حمراء.. بلاستيكية، وتقول: “هذه من صنع يديَّ.”
كانت غالية تقول لنا، بطريقتها الخاصة: “لقد بدأت التمرد على سجن العائلة، هذه وردتي الحمراء، وغداً سأخرج من المطبخ، وأتجاوز بوابة المنزل إلى حيث الهواء النقي والشوارع النظيفة.. والعالم الآخر.”
فهل تعتقدون أن غالية، بنت أحمد الجلوازي، فعلت الصواب؟