بريكس تفتح أبوابها للشرق الأوسط هل ينضم العراق ؟
زياد الهاشمي/
عقدت قمة بريكس الأخيرة في مدينة قازان الروسية، وخرجت برسائل قوية تتعلق بمستقبل العالم وأهمية الشراكة في معالجة القضايا الحيوية للأمن، والطاقة، والغذاء. امتازت القمة بجهود روسية واضحة ركزت على توسيع دائرة المشاركة في هذا التكتل العالمي المتنامي، حيث وُجهت دعوات رسمية إلى 38 دولة لحضورها، وكانت دعوات الانضمام الرسمي قد شملت دولاً من الشرق الأوسط، منها السعودية والإمارات.
حققت هذه القمة تجاوباً ملموساً بحضور عدة دول أخرى من المنطقة، كما أعربت دول أخرى عن رغبتها في الانضمام رسمياً، كالجزائر، وتركيا، بينما كانت لإيران ومصر الأسبقية في الانضمام إلى بريكس مطلع هذا العام.
التعددية القطبية
يشير الاهتمام المتزايد لدول الشرق الأوسط بالانضمام إلى تكتل بريكس إلى تأثيرات التحولات الجيوسياسية العالمية، ولاسيما في منطقة الشرق الأوسط، على توجهات بعض الدول الإقليمية، وسعيها نحو نظام عالمي أكثر توازناً يتضمن أقطاباً متعددة، في ظل تصاعد السياسات الأميركية المهيمنة، وتوفيرها دعماً لا محدوداً لآلة الحرب الصهيونية في عدوانها على غزة ولبنان، فضلاً عن تطلع الكثير من دول الشرق الأوسط لتعزيز مكانتها الجيواقتصادية على الساحة الدولية، والعمل على توسيع أطر التعاون الاقتصادي والتجاري، إذ إن الانضمام إلى هذا التكتل سيتيح لهذه الدول مساحة أكبر للعمل ضمن نظام طموح يراد له أن يسهم في خلق حالة من التعددية القطبية، ويفتح آفاقاً أوسع لتعزيز المصالح المشتركة وتحقيق التوازن الذي ترى فيه تلك الدول بديلاً إيجابياً للهيمنة الغربية المتواصلة.
من جانب آخر، فإن تكتل بريكس لايزال في طور بناء العلاقات وجذب الدول لتوسيع نطاق التكتل، وطرح المبادرات والخطط المستقبلية المتعلقة بالعلاقات الاقتصادية البينية بين دول التكتل، كاستخدام العملات المحلية في التبادلات التجارية، أو استحداث أنظمة دفع جديدة تكون بديلاً للأنظمة الغربية التقليدية، علاوة على بحث مسألة التسهيلات الجمركية بين دول التكتل. لكن مع الوقت، فمن المرجح أن السقف العالي للأهداف الذي تطمح له الدول المؤسِّسة الكبرى داخل التكتل (روسيا والصين) سيفرض متطلبات كبيرة ومستمرة على الدول الأعضاء، قد ترسم خطوطاً اقتصادية، وحتى سياسية فاصلة، بين تلك الدول وبين المنظومة الرأسمالية الغربية، كتحديد لحجم التعاملات بالدولار، أو إلزام الدول الأعضاء بزيادة التعرفة الجمركية على البضائع القادمة من الولايات المتحدة والدول الأوربية، أو استبدالها بمناشئ من داخل دول التكتل، ما يجعل دول التكتل الوسطى والصغرى في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، التي قد تعد أية خطوة تقلل من تأثير الدولار أو تعزز من استقلالية دول بريكس اقتصادياً، تحدياً واضحاً لهيمنتها.
وعي ستراتيجي
مستقبل تكتل بريكس وطموحه التنافسي غير التقليدي، قد دفعا دولاً بارزة في منطقة الشرق الأوسط، كالسعودية والإمارات، إلى التريث في قبول الدعوات الروسية للانضمام، إذ اختارت تلك الدول تبني نهج مدروس في التعامل مع هذا التكتل، وتقييم لمكاسبها المحتملة وما قد تحمله من تداعيات، في حرص واضح على موازنة المصالح الاقتصادية المتنوعة التي ترتبط بشكل كبير بالأسواق الغربية من جهة، والتطلع إلى دور إقليمي أوسع ومستقل من جهة أخرى. هذا التريث السعودي الإماراتي يعكس وعياً ستراتيجياً بأهمية توخي الحذر في مواجهة ردود الفعل الأميركية والغربية المحتملة.
عدم الانحياز
أما بالنسبة للعراق، فقد تبنى تاريخياً سياسة (عدم الانحياز) في علاقاته الدولية، رغم تغير هذا التوجه بعد 2003، إذ تعمقت علاقاته مع الولايات المتحدة، وأصبح الاقتصاد العراقي يعتمد بشكل كبير على الفيدرالي الأميركي في مسألة تسلم وإدارة أموال النفط. وبالنظر إلى موقف السعودية والإمارات المتحفظ، يحتاج العراق إلى نهج مماثل من التريث، ليرى كيف سيتطور تكتل بريكس، ومدى قدرته على إحداث تغيير نوعي في العلاقات الاقتصادية الدولية، وكيف ستكون ردود الأفعال الأميركية، وهل ستسمح بتوسع عمل هذا التكتل، أم ستقوض نطاق عمله وتتشدد مع دوله؟
في ظل التحديات الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد العراقي، تبقى أمام العراق أولويات محلية ملحة أكثر أهمية من مسألة الإنضمام الى تحالفات جديدة، من بينها تطوير البنية التحتية الاقتصادية، ومكافحة الفساد، وتقليل الاعتماد على القنوات المالية الأميركية، أو لنقل، فك الارتباط بشكل كامل مع الفيدرالي الأميركي بما يتعلق بتدفقات البترودولار العراقي، لتحقيق التحرر المالي الكامل. وفي حال نجح العراق فعلياً في تجاوز هذه المرحلة والانتقال الى مرحلة أكثر استقلالاً واستقراراً اقتصادياً، حينها يمكن القول إن العراق أصبح أكثر استعداداً للنظر في خيارات توسيع علاقاته الاقتصادية الدولية عبر الانضمام إلى تكتلات عالمية، وأهمها تكتل بريكس.