جائحة ترامب الجمركية.. نظام العولمة يتصدع بفعل أمريكي وتحديات حقيقية أمام العراق

92

زياد الهاشمي /

في خطوة أثارت جدلًا عالميًا واسعًا وبثت مخاوف من نشوب حرب تجارية عالمية قد تهز أسس الاقتصاد الدولي، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن فرض رسوم جمركية جديدة على واردات الولايات المتحدة من عشرات الدول. هذا القرار الذي دخل حيز التنفيذ في الثاني من نيسان 2025، وُصف من قبل ترامب بـ “يوم التحرير” الاقتصادي لتصحيح الاختلالات الحاصلة في الميزان التجاري بين الولايات المتحدة ودول العالم، ما يساهم في تحفيز الاقتصاد الكلي الأمريكي.
المفارقة الكبيرة التي يمكن تشخصيها من هذه الإجراءات المثيرة للجدل للإدارة الأمريكية الجديدة، هي أن هناك انقلابًا أمريكيًا واضحًا على المنهجية الأمريكية التقليدية التي سارت عليها الولايات المتحدة واعتمدتها في ترسيخ علاقاتها الاقتصادية الدولية طوال أكثر من نصف قرن. فقد ساهمت الولايات المتحدة بنفسها وبقوة خلال القرن الماضي في تشكيل نظام العولمة الحديث، الذي يعتمد على تعزيز حالة التكامل الإنتاجي والاستهلاكي الدولي وخلق نظام تجارة حرة يربط الاقتصادات العالمية بنظام تجاري تبادلي ملائم للجميع، الذي تركزت فيه مراكز التصنيع الواسعة الإنتاج في آسيا والصين (بسبب رخص كلفة الإنتاج)، وتحولت الاقتصادات الغربية تدريجياً الى أسواق استهلاك تعتمد على الإنتاج الآسيوي والصيني. وبالرغم من أن نظام العولمة هذا قد خلق اختلالًا واضحًا في الميزان التجاري بين الشرق والغرب وساعد الصين وباقي دول آسيا في تحقيق فوائض في الصادرات للولايات المتحدة وأوروبا، إلا أن الاقتصادات الغربية، وأولها الاقتصاد الأمريكي، قد تكيفت مع هذه المعادلة، ما أسهم في تعزيز قدرة تلك الاقتصادات على التركيز والتوسع في قطاعات الصناعات التخصصية والتكنولوجية والمنتجات ذات الجودة العالية وقطاع الخدمات.
صدمة اقتصادية
محاولات الإدارة الأمريكية في الانقلاب على نظام العولمة وتغييره بما يناسب فكرة (أمريكا أولًا) وفرض الرسوم الجمركية الحمائية على الشركاء والحلفاء قبل الأعداء، دفعت خبراء الاقتصاد في الولايات المتحدة لقرع جرس الإنذار في وجه إدارة ترامب لتحذيرها من مغبة الاستمرار في هذه المنهجية غير المعهودة واعتبار أن هذه الرسوم الجمركية كمن يطلق النار على قدميه، وبمثابة قنبلة موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي. فقد قال مورات تاسجي، كبير الاقتصاديين في «جي بي مورجان»، إن «الرسوم الجمركية الأمريكية تُعد ضريبة على الواردات، وفي النهاية يتحملها المستهلكون المحليون وليس المنتجون الأجانب.” مشيراً إلى أنها ستؤدي إلى «صدمة اقتصادية كلية» وركود محتمل. فيما أشار الخبير الاقتصادي الدولي البروفيسور محمد العريان، الى أن هذا القرار جعل من أمريكا اليوم مصدراً لعدم الاستقرار للاقتصاد العالمي. أما خبير الاقتصاد المعروف ومستشار الستراتيجيات المالية الأمريكي، البروفيسور جيرمي سيكل فقد اعتبر ان هذه الأزمة التي خلقها ترامب هي الأخطر على الاقتصاد العالمي منذ قرابة المئة عام.
إضافة الى ذلك، فقد وقع عدد من أبرز المفكرين الاقتصاديين، مثل بول كروجمان وجوستاف كالدور وإلينور أوسترام، على رسالة مفتوحة موجهة لإدارة ترامب تحذر من العواقب الوخيمة للرسوم الجمركية، حيث أكد هؤلاء (الحائزون على جائزة نوبل في الاقتصاد) أن التطبيقات الحمائية الأمريكية ستضر بالاقتصاد الأمريكي والعالمي على حد سواء. وبالرغم من كل هذه التحذيرات، إلا ان الرئيس الأمريكي تجاهل كل هذه التحذيرات وقرر المضي قدماً في مواجهة اقتصادية مفتوحة مع العالم .
وكما كان متوقعاً، فقد أثارت الرسوم الجمركية الأمريكية ردود أفعال كبيرة، حيث رد الاتحاد الأوروبي، الذي يواجه رسومًا بنسبة 20%، بإعداد خطة لفرض رسوم مضادة على سلع أمريكية بعشرات المليارات من الدولارات، بينما أعلنت الصين عن رسوم على الفحم والغاز الطبيعي المسال الأمريكي بنسبة 15% مع فرض تعرفات انتقامية بنسبة 34% على جميع السلع الأمريكية الأخرى. ويعيد هذا المشهد إلى الأذهان المواجهة التجارية الكبرى بين واشنطن وبكين في 2018–2019، التي أثّرت على سلاسل الإمداد العالمية وأسواق المال في حينها. ونتيجة تصاعد التوترات التجارية والمخاوف من تأثير الرسوم الجمركية على الاقتصاد العالمي، فقد واجهت الأسواق الدولية موجات هبوطية حادة. ففي آسيا، تراجع مؤشر نيكاي 225 الياباني بنسبة 2.7% ليصل إلى 38,520.09 نقطة، و في أوروبا افتتح مؤشر، فاينانشال تايمز 100 البريطاني، بعد إعلان حزم الرسوم الأمريكية، على انخفاض بأكثر من 100 نقطة، وفي الولايات المتحدة تراجعت العقود الآجلة لمؤشر داو جونز الصناعي بأكثر من 500 نقطة، ما يشير إلى بداية سلبية للتداولات ومؤشرات ركودية واضحة. أما أسواق النفط، فقد شهدت انخفاضًا حادًا لسعر خام غرب تكساس الى مادون 60 دولارًا للبرميل، رافق ذلك انخفاض واضح في أسعار الذهب، في كسر غير معهود لقاعدة ارتفاع الطلب على الذهب خلال فترة الأزمات الاقتصادية كونه الملاذ الأكثر أمنًا.
شراكات متنوعة
من جانب آخر، فإن إدارة ترامب لم تستثنِ العراق من قائمة الرسوم الجمركية، حيث فرضت ما بين 10%-39% كرسوم جمركية على الواردات العراقية ، بسبب الفائض في الميزان التجاري الذي حققه العراق نتيجة صادراته النفطية للمصافي الأمريكية في كاليفورنيا وتكساس. وعلى الرغم من أن التأثير المباشر للرسوم الجمركية الأمريكية على العراق قد يكون محدودًا، بسبب استثناء الصادرات النفطية العراقية، إلا أن التداعيات غير المباشرة لتلك الرسوم الجمركية قد تشكل تحديات حقيقية للاقتصاد العراقي، ربما يكون أهمها حصول تباطؤ في الاقتصادات الصناعية الرئيسة وما يرافق ذلك من انخفاضات مستمرة في الطلب على النفط وتدهور أسعاره في الأسواق الدولية، وهذه المسألة بالذات تعد من المسائل الحرجة التي تؤثر بشكل مباشر على القدرة المالية وحجم السيولة المتاحة لدى النظام الرسمي العراقي. لكن، وبكل الأحوال، فإن الفرصة لاتزال مواتية للحكومة العراقية للاستفادة من انعكاسات المتغيرات الاقتصادية العنيفة التي تحدث هذه الفترة على الساحة الدولية، في رفع وتيرة العمل على تصويب النظام أو النموذج الاقتصادي العراقي والتوسع أفقياً وبشكل مدروس نحو قطاعات أخرى غير نفطية. وقد تكون المبادرة العراقية بدعوة الشركات الأمريكية للدخول في شراكات متنوعة، باكورة الجهد الحكومي العراقي للتعامل بإيجابية مع العاصفة التي أطلقتها الإدارة الأمريكية، التي تعد في نفس الوقت خطوة كبيرة وضرورية الى الأمام للتقليل من أثر الريعية العالية والاتجاه أكثر نحو التنوع الاقتصادي.