المسيحيون يصلون لعراق يرفل بالأمن والسلام

1٬531

إياد الخالدي وخضير الزيدي /

سنعلق أمنياتنا على شجرة الميلاد.. أمنيات كل العراقيين بوطن تسوده قيم العدالة، وبوطن ينعم بالأمن والرخاء. ولهذا ليس بوسعنا الاحتفال بينما يستمر التوتر وتسيل الدماء وهو مادفع مجلس رؤساء الطوائف المسيحية في العراق الى اتخاذ قرار بإلغاء كافة الاحتفالات بأعياد الميلاد ورأس السنة الجديدة، تضامناً مع الساحات واحتراماً لدماء الشهداء من المتظاهرين والقوات الأمنية.
هذا هو موقف مسيحيي العراق الذي أكده رئيس الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، مشدداً على أن الطائفة لن تقيم احتفالات عامة بعيد الميلاد احتراماً للقتلى والجرحى الذين سقطوا في الاحتجاجات الأخيرة المناهضة للحكومة.
وأعلن الكاردينال لويس رافائيل ساكو، رئيس الطائفة الكلدانية الكاثوليكية في العراق والعالم، أنه “سوف لن تكون هناك أشجار ميلاد مزينة في الكنائس والساحات، ولا حفلات وسهرات بهذه المناسبة، ولا استقبال رسمي للتهاني في مقر البطريركية، إنما نكتفي بالصلاة ترحماً على أرواح الضحايا، والدعاء بالشفاء العاجل للجرحى”.
وقال ساكو إنه اتخذ هذا القرار “احتراماً للشهداء والجرحى من المتظاهرين وقوات الأمن، وتضامناً مع عائلاتهم المتألمة”.
وهذه ليست المرة الأولى التي يلغي فيها المسيحيون في العراق احتفالاتهم برأس السنة تضامناً مع أبناء وطنهم، فقد سبق أن ألغيت الاحتفالات بسب تزامنها مع أحزان كربلاء وأربعينية الإمام الحسين.

موقف أخلاقي وروحي
ويحتفل الإخوة المسيحيون بأعياد الميلاد وعيد القيامة ويبتهج العالم معهم متذكرين تلك الأجواء الجميلة التي يتطلع الغالب منا لأن يراها في بلدانه نتيجة الفرح والسرور والابتسامة في وجوهم، لكن احتفالات هذا العام تزامنت مع احتجاجات واسعة وعنيفة سقط على إثرها العديد من الشهداء المتظاهرين وقوات الأمن وجاءت في ظل متغيرات سياسية، إذ يتطلع العراقيون الى تحقيق رؤية بلدهم وقد تخلص من الفساد كي يحظى بحياة حرة كريمة ورخاء اقتصادي وينعم بالأمن والسلام .
يقول الكاردينال لويس ساكو : «أخلاقياً وروحياً، لا يتسنى لنا الاحتفال في جو من التوتر.. فليس من الطبيعي أن نحتفل بفرحنا وبهجتنا في حين يُحتضر آخرون، هذا لا يصح»..
وأوضح أنه بموجب أمر الكنيسة، ستقتصر احتفالات عيد الميلاد على إقامة الصلوات، وسيتم التبرع بالأموال المخصصة للاحتفالات وزينة الشوارع باهظة التكلفة، لدعم الجرحى من المحتجين.

التعايش السلمي
يؤكد الفنان وسام زكو أنه ليس بوسع المسيحيين أن يبتهجهوا بينما دماء المتظاهرين تركت بصمتها في ساحات التظاهر و يضيف : في كل عام أشعر بسعادة في مثل هذه الأجواء الروحانية التي تعمها الأفراح بطابع اجتماعي ونتعلم من ميلاد السيد المسيح أن السلام مشروع إنساني لا يخص أمة من الأمم او دين من الديانات السماوية، جميع الأنبياء جاءوا من أجل نشر ثقافة التسامح والتعايش السلمي، لكن الغرابة التي تنتابنا والذهول الذي يصيبنا حين يقتل إنسان إنساناً آخر، ولماذا تسيل الدماء بينما يطالب المتظاهرون بالقضاء على الفساد الإداري والمالي المستشري في بلد مثل العراق ملأت خيراته العالم..في الحقية لا أحس بشعور السعادة أنا والغالب من إخوتي المسيحيين في العراق والعالم ونحن نرى بغداد الجميلة تتوشح بلافتات النعي لشباب أحلى من الورود.
الحرية
وتحلم الفنانة روش بنيامين كأية عراقية ولدت في العراق وتربت في بغداد وصلّت في كنائس بغداد والموصل ودهوك أن ترى وطناً جميلاً يتمتع أهله بالطمأنينة ويعم ربوعه السلام.. وتقول “أحلم كأية عراقية أن يسود السلام والتعايش بين الجميع دائماً في صفاء روحي ووجداني واجتماعي”.
وتضيف “إنني افتقد طفولتي وصباي، السنوات التي ذهبت يوم كان الجميع لا يفرق بين الأديان، فالعراق بلد الجميع”، وتعبر عن حزنها لدماء الشباب الذين يملكون وعياً متقدماً وهم يلهجون بصوت الحرية التي قالت عنها فيروز إنها مثل المياه المالحة كلما شربنا منها عطشنا أكثر، “نعم نحن مسيحيي العراق نتوق أن نرى وطننا العراق بأجمل حلّة بين بلدان العالم ونتمنى الرفاهية والسعادة للجميع وما خطاب السيد المسيح ودلادته إلا مثابة لنحيا معاً، ونترحم على شهداء العراق جميعاً”.

الخيار الأفضل
من جهته، يعتقد الفنان عمار داود أن إشكاليات القضية العراقية معقدة بشكل يثير الحيرة، لكن بالرغم من هذه الحيرة “أجد أن الحل – إن تم الالتزام به ـ بسيط جداً: انه القانون، القانون وحده، هو السيد، والكل تحت ظله، تطبيقه يعتمد على الرغبة الحقيقية للساسيين و المسؤولين في التعلم من تجارب الدول المتقدمة في هذا المضمار، نحتاج الى قضاة يتمتعون بأعلى سلطة في البلد، هل أقول قضاة من جمهورية أفلاطون؟ نعم أقول ذلك، وأقصد من جهة ما ذكره أفلاطون عن حكام لا ينتمون الى حسهم العائلي او العشائري او المناطقي او الطائفي، حكام يعملون بضميرهم كما لو كانوا أفراداً (مقطوعين من شجرة)؟ هل الأمهات العراقيات ولدن هذا النوع البشري المطلوب هذا اليوم؟ نعم أعتقد ذلك، وأعتقد انهم موجودون”، ويضيف “شخصياً، وفيما يتعلق بالانتماء الديني او الطائفي او العرقي، لا يعنيني من أكون من تلك النواحي، لم اختر أنا ولا غيري ديننا أو طائفتنا أو عرقنا، ولست مجبراً على أن أرثها منهم او أن اتبناها، وإن لم ترق لي ثقافتهم ومعتقداتهم، فلا بأس من أن أتبنى ثقافة ومعتقداً آخر، إن اعتراني شعور بالحاجة الى مناجاة الله، فلن امتنع عن الدخول إلى أي مكان ديني أصادفه، دون أن تعيقني هويته، ولم أجد خياراً فكرياً أفضل من الخيار الفكري الذي يرتكز على المنهج العقلاني، المنهج الذي جعلني ابناً للإنسانية بعمومها، وهو الذي وفر لي حساً يتحرز مما يفرق ويقبل بما يجمع، لا أحب أن أتحدث عن مثاليات النفس الإنسانية، لأن سطوة النفس الأمارة بالسوء أضحت اليوم أكبر من النفس المتعففة، لأن عالم اليوم يقدم لتلك النفس الدنيئة مغريات شديدة الوقع عليها، فلا غرابة في أن يكون جهاد المرء الأكبر هو ضد نفسه أولا. عالمنا يسوده الجشع والطمع والأنانية، وهكذا أحس وأشعر في خضم كل هذا الطوفان من الخراب والاستهتار بقدر الإنسان، يقول الكاتب الفرنسي اكزوبري: إن الموكول إليها أمر الكراسي في كاتدرائية، تتعرض، إن هي لم تهتم إلا بتأجير الكراسي، لأن تنسى أنها تخدم إلهاً. فهل أدركت حكومتنا بأنها تخدم وطنا قبل أن تنشغل بكراسي حكمها”.

نحن في الساحات
وتؤكد مروة بطرس أن المسيحيين كانوا حاضرين مع إخوتهم أبناء العراق من باقي الديانات والمذاهب سواء في الدفاع عنه او الآن ، فقد جمعت ساحات التظاهر العراقيين معا وهم ينادون بوطن يتعالى على التقسيمات الطائفية ويحترم فيه العراقي كونه عراقيا فحسب.
وأشارت مروة الى أنها ذهبت مراراً مع صديقاتها الى ساحة التحرير وقدمن الممكن تقديمه كمساهمة و ” كي نشاركهم الحلم بوطن بحجم آمال العراقيين وتطلعاتهم”.
وتقول “رغم أن المسيحيين عانوا الخذلان والتهجير مثلهم مثل باقي العراقيين خلال أحداث العنف وسيطرة الظلاميين الدواعش إلا أنها ترفض الحديث عن مظالم دينية ومطالب باسم المسيحيين. إننا نريد لأنفسنا مانريده لكل عراقي، ويكفي ساحات التظاهر أنها سحقت الطائفية في العراق”.
وأوضحت أنه أمر طبيعي أن نشارك إخواننا محنة الوطن وأحزانه على خسارة أرواح أبنائه، ولهذا فلن نحتفل بالأعياد ولن نزين أشجار الميلاد إلا بالعلم العراقي.