الازدحام والشارع والناس… اختناقات مرورية وغياب المعالجات

207

مجلة الشبكة /

نشهد يومياً اختناقات مرورية حادة في التقاطعات وعند الجسور والمجسرات، تلك الزحامات تأخذ من وقت المواطن ساعات وساعات تهدر في الطرقات من دون جدوى سوى التعب وكثرة الحوادث وشد الأعصاب والقلق من التأخير في الوصول الى مكان العمل، حيث تجتمع في تلك التقاطعات شرائح المجتمع كلها، فترى أنواع الوجوه العابسة والضاحكة والغاضبة والقلقة.
مررت بالقرب من مجسر باب المعظم صباح أحد الأيام قبل بدء الدوام الرسمي بنصف ساعة، تقع خلفي المتوسطة الغربية، وأمامي الشارع العام الذي ينفتح عند الاستدارة على الشارع المؤدي الى مدينة الطب والجسر المؤدي الى ساحة الطلائع، وكذلك الذي يؤدي الى شارع الجمهورية والآخر الى شارع الكفاح، أو يستدير بموازاة الشارع الذي أقف في الجهة المقابلة له.
لماذا جرى اختيار هذه النقطة بالذات؟ لأن هذه النقطة تشهد اختناقات مرورية يومياً في بداية الدوام ونهايته، ولا يمكن تجاوزها حتى بعد إكمال المجسر البسيط الذي استمر العمل فيه تسع سنوات ليربط بين هذا الشارع والشارع المقابل “شارع الجمهورية ” الذي يؤدي الى سوق الشورجة.
حديث الناس
لا يحتاج الناس الى محفزات للحديث عن الاختناقات المرورية، فهم يعيشونها كل يوم، ويحسبون حساب الوقت الضائع كي لا يتأخروا عن الحضور الى دوائرهم مع بداية الدوام الرسمي. يقول المواطن (داود كاظم / موظف): ” كل يوم أقف هنا منتظراً إشارة شرطي المرور لتجاوز هذا الخانق الضيق، بعد أن تجاوزت نقطة الزحام التي قبلها عند أكاديمية الفنون، وكذلك تقاطع شارع المغرب وتقاطع جامع النداء، وعند كل تقاطع أقضي ربع ساعة في الذهاب الى العمل، بمعنى أني أهدر ساعة كاملة في أربعة تقاطعات في هذا الشارع فقط، ومثلها في طريق العودة الى البيت، أخرج من البيت الساعة السادسة صباحاً وأعود إلية في الساعة الرابعة مساءً، هذه هي معاناة كل يوم.”
الطالبة (سوسن علي) قالت: ” تريني الآن أسير على الرصيف متوجهة الى كلية الآداب سيراً على الأقدام، مع العلم أني ترجلت من سيارة الكيا المتوقفة في نقطة زحام جسر الصرافية، وهذه مسيرة كل يوم أثناء دوام الجامعة، تعودنا عليها.” وتشارك سوسن صديقتها (علياء حسين) التي قالت: “أنا كنت قادمة في سيارة الكيا من علاوي الحلة الى باب المعظم، عند منتصف جسر باب المعظم ترجلت من السيارة وأخذت المسافة المتبقية لي للوصول الى الكلية سيراً على الأقدام.”
فيما يتحدث سائق التاكسي (عبد الحسين عباس): “ها نحن نقضي وقتنا كله في التقاطعات بانتظار رحمة إشارة شرطي المرور، لكن ماذا يفعل؟ إذ أن الشوارع لم تعد تستوعب أعداد السيارات، فالبيت الذي لم تكن فيه سيارة واحدة أصبحت فيه أكثر من سيارة، ولا يوجد تشريع لترحيل السيارات القديمة من بغداد الى المحافظات، فضلاً عن الدراجات النارية والستوتات والتكاتك التي تعرقل انسابية سير السيارات، الشوارع ضاقت بالعجلات، ولا معالجات جدية لحل هذه المشكلة.”
أسباب المشكلة
يقول (الدكتور قاسم عبد الهادي) – باحث أكاديمي- إن “مشكلة الزحامات المرورية تعود الى أسباب عدة، من أبرزها غياب التخطيط العلمي من قبل الحكومات التي مرت على حكم العراق، ولاسيما في ما يمكن أن نطلق عليه تسمية العشوائية في استيراد السيارات، فعملية الاستيراد لا تتناسب مع الطاقة الاستيعابية للطرق الداخلية أو الخارجية، ولم تتخذ أية إجراءات في تسقيط السيارات القديمة أو ترحيلها خارج العاصمة، وهو الأمر الذي أدى الى تضاعف أعداد السيارات مرات ومرات، فضلاً عن التخطيط العمراني العشوائي للمدن، ومنها بغداد بالذات، إذ شهدت المدن نمواً سكانياً متزايداً من دون التوسع في الخدمات وشق الطرق الحديثة، إذ قد بقي الحال كما هو الحال في بداياته.”
ويواصل الدكتور عبد الهادي حديثه قائلاً: “إن تصميم مدينة بغداد من حيث احتياجها لعديد السيارات كان بحدود ربع مليون سيارة، لكن واقع اليوم يفوق هذا الرقم بعشرة أضعاف أو أكثر، أذ يصل الرقم الى أربعة ملايين سيارة تقريباً، وهو رقم كبير جداً، ما يتسبب باختناقات مرورية كبرى ويعيق انسيابية حركة السيارات في الشوارع، فضلاً عن وجود الكثير من السيطرات التي تضيق مساحة الشارع الذي هو في الأصل لا يستوعب الزخم الحاصل في كثافة السيارات.”
توقفت هنا وتساءلت عن المعالجات التي يمكن أن تخفف من هذه الزحامات، فقال محدثي: “بغداد بحاجة الى معالجات أساسية للطرق من خلال بناء جسور جديدة وأنفاق لتستوعب الأعداد الكبيرة التي تخرج الى الشوارع يومياً أثناء الذروة في بداية الدوام الصباحي ونهايته بعد الظهر. الإجراء الآخر بتفعيل دور عجلات مصلحة نقل الركاب وإيجاد منافذ طرق خاصة لها من أجل الالتزام بأوقات محددة حتى يتمكن المواطنون من الاستغناء عن استخدام سياراتهم الخاصة في التنقل، وكذلك فتح الطرق المغلقة من قبل الجهات الأمنية وإلغاء السيطرات فيها، وأخيراً يمكن تفعيل النقل المتروي، مثل مترو بغداد الذي تحدث عنه الكثير من المسؤولين وبقي في حدود الكلام فقط من دون أن يرى النور.”