التشابيه.. حين يتكامل التجسيد بالشعور

297

سنان باسم/
لبيك يا حسين، هتاف يعلو عند ظهيرة العاشر من محرم الحرام في كل عام هجري، اذ تسمع الهتافات ممزوجة بأصوات النحيب والبكاء على ما أصاب الحسين عليه السلام وأهله وأصحابه، ومما رافق موضوعة الأسى والألم على تلك الفاجعة.
وفي محاولة للحفاظ على سردية ما حصل، ولكن بصيغة محاكاة واقعية، كانت (التشابيه)، المثال الأقرب للواقعة، التي كانت لها مساحة ليست بالهينة على مستوى التوثيق الدرامي والعاطفي، التي استأثرت بخصوصية لا يمكن تجاوزها لدى المتابعين والمتتبعين لهذه المأساة، أو حتى مكان تجسيدها الدرامي ومكان إقامتها بالنسبة لمحبي أهل البيت والمتأثرين باستشهاد سيد الأحرار.
فالتشابيه هي تلك الفعالية الإنسانية والفنية في ذات الوقت، التي تعد محاكاة لما حدث في أرض كربلاء وتجسيد تفاصيل وقائعها مدعومة بأداء عالٍ من قبل أشخاص أدوا أدوارهم بإتقان، وبلغة عربية سليمة مع مشاعر المشهد التمثيلي (بالنسبة للمميز منها). وتُعرض تلك الفعالية الإنسانية الثورية في ساحة كبيرة ويفضل أن تكون ترابية لما لها من واقعية في التجسيد، بالإضافة الى إمكانية تأديتها على مسرح وأمام الجماهير الشغوفة المتفاعلة مع قصة المأساة المنتظرة في بداية كل عام هجري، وتتابع بشغف وبلا كلل من قبل المحبين وهم يصطحبون أبناءهم ليعرفوهم بالحسين الثائر لكيلا تموت تلك السيرة الإنسانية الأبية وتبقى حية وقّادة في نفوس الأجيال.
لكن اللافت في الأمر كله هو سؤال لا يبتعد عن ذهن اللبيب وهو: كيف تتكون تلك المشاهد بسير درامي مواظب على إيقاعه الفني الجميل بلا تدخل او تقاطع؟؟ والأكثر من ذلك بلا مخرج مختص أو محترف فن لكل هذه اللوحة الإنسانية الحرة؟؟
هنا تبدأ الحيرة في التجسيد الذي يلازم سكة صحيحة بلا تقاطعات أو اجتهاد من ممثل رئيس أو حتى كومبارس في كتيبة الإمام الحسين عليه السلام، وربما في جيش يزيد، هل هو التسجيل الصوتي أم البروفة المكثفة التي مورست قبل أشهر من الحدث والمصاب الجلل، هنا ندخل في التفرعات وزحمة التفاصيل اللافتة حيث تجذبنا اللوحة الثائرة وكواليسها، إذ نجد أن الملابس التي تستخدم بأكسسواراتها والمكياج الذي يغطي الوجوه يعيدنا الى تصور تلك اللحظات المأساوية بصورة نمطية نسجت من التراكم الدرامي التلفزيوني للمشاهد عبر مسلسلات تاريخية تحاكي العصور الإسلامية وتظهر المسلمين بملابسهم البيض وخوذهم السود بريشة كبيرة تعتليها، لتأتي بعدها الدرع الواقية من الحديد والجلد وبأشكال هندسية لافتة، والرايات الكبيرة وبألوان مختلفة من الأبيض والأسود والأحمر والأخضر، كل هذا الزخم من جملة الأكسسوارات يدعم تلك التفاصيل الفنية الخلابة التي تتعشق مع التجسيد الرصين بالإحساس في التعبير والإيحاءات، مروراً بالتزامن الصوتي مع الدبلجة التي تصدر من مكبرات صوتية مجاورة.
مشهد كهذا يُجسد بإتقان بلا مخرج أو مخرج منفذ أو مساعد مخرج، وهي صفات وظيفية رئيسة تعدُ كيان العمل الدرامي الاعتيادي، فكيف بهذه البانوراما التاريخية التي تحوي الكبار والشباب والنساء انتهاءً بالأطفال ، مدعمة بخيول وخيام، إذ تحتاج الى التوجيه والتعريف بالشخصية وأهميتها، كذلك السيطرة على المشاهدين الذين لطالما يتفاعلون ويمررون كؤوس الماء الى أبناء عقيل بن مسلم تارة والى أبناء الحسين تارة أخرى، وكيف يردعون ويوقفون سياط جيش يزيد وهي تنهال على أسرة الإمام الثائر عليه السلام، وهذا يعني ازدواجية المهام والمسؤولية في السيطرة على المتلقي والمُجسد لتعريفه ببداية دوره وانتهائه.
ويجري إلباس الشخصيات التي تحمل الصفة القدسية نقاباً يحجب وجه المُجسد عن المتلقي الواقف أو المشاهد عبر التلفاز وربما الهاتف، لكن الملاحظات والمؤاخذات أحياناً تكون حاضرة في تلك الملحمة الثورية، اذ غالباً ما يجري انتقاء السيئ من عامة الناس لزجه في جيش عمر بن سعد، أو لتجسيد شخصية الشمر، وجعلهم أضحوكة من قبل المشاهدين لمعرفتهم بسوابق تلك الشخصيات في المنطقة أو المحلة السكنية. ولابد لنا من القول إن الإمام الحسين عليه السلام قد جابه خصومه وأعداءه بكل شجاعة ومسؤولية ودون أي استصغار لتلك الشخصيات، وهي دلالة على إيمان الإمام الحسين عليه السلام بعظمة قضيته دون تسفيه من يجابهه وإلا لاندثرت الرواية الخالدة وعدت مثل أية حكاية تتداولها الجدات.
كل ما مر علينا في القول والسرد أن الامتزاج والانصهار بين كل الشخصيات يجعلانا أمام انبهار فني من تجسيد عفوي وكأن المحُب هو خير مجسد، وبين توزيع للأدوار حسب النص المعنوي الممزوج بعشق حسيني سرمدي يسير وفق صفحات تقلبها الافئدة وتتلقفها الدموع المارة على الخدود التي احمرت من جراء البكاء والنحيب على قضية باتت منار الثائرين في مختلف أصقاع الأرض.