التوسع السكاني يبتلع بيوت أهلنا!

180

ملاذ الأمين /

تزخر مدن بغداد والبصرة والموصل ومدن أخرى في البلاد بالعديد من الدور التراثية التي مازالت قائمة ومشغولة من قبل أصحابها، فيما تحولت غالبيتها الى ورش عمل للنجارة والحدادة والمحال التجارية أو مخازن للسلع، الأمر الذي يعرضها للانهيار أو التلف وطمس معالمها.
ناهيك عن أن غالبيتها جرى هدمها لبناء دور حديثة أو عمارات تجارية، الأمر الذي يغيِّب حقبة تراثية عن الوجود.
عمليات هدم
وتشهد مناطق بغداد القديمة، التي أصبحت حالياً مركز بغداد التجاري، عمليات هدم للدور القديمة لإقامة عمارات تجارية، اذ انها تحقق أرباحاً لأصحابها بشكل أفضل من كونها دوراً للسكن، وهذا الأمر يتكرر في مناطق الشورجة وباب المعظم والفضل والبتاويين والأعظمية والكرادة والشواكة والكاظمية.
وتتميز البيوت التراثية القديمة بوجود الباب الرئيس لها عند الشارع، مع سلّم واسع مكون من درجات لا تزيد عن الست درجات، تزينها في أكثر الأحيان نقوش نباتية بارزة على جانبي الباب وفوقها. وعند الدخول الى باحة الدار- الحوش- تجد نفسك في فضاء سقفه السماء وعلى جوانبه أبواب وشبابيك لغرف متعددة الاستخدامات، منها المطبخ، وأخرى للضيوف وللمعيشة وللنوم، مع ممر يؤدي إلى درجين (سلمين) علوي وسفلي، العلوي يؤدي إلى سطح الدار والغرف في الطابق الأول، والسفلي إلى السرداب، الذي كان يستخدم لخزن الطعام وكذلك للنوم ظهراً في أيام الصيف الحارة.
بنيت جميع البيوت في بغداد بالطابوق الفرشي وسقفت بالخشب والحصير، ومع التطور جرى إدخال الحديد (الشيلمان) لعقد السقوف، ما أسهم بتقوية السقوف والحفاظ على البناء وتماسكة مع إمكانية بناء أدوار أخرى فوقه.
دور أم أرقام..؟
للأسف لم يجرِ حتى الآن إحصاء عديد هذه الدور أو تدوينها، إلا أنها موجودة حتماً في الدوائر البلدية كأرقام ومواقع، وبالتأكيد فإنها مع تطور المدينة وتوسعها، والتحديثات الجارية في البناء، التي طغت على جميع المباني، لم يتبقَّ من تلك الدور قيد البحث إلا القليل، وفي المناطق القديمة التي أشرنا إليها.
السيد (إبراهيم محمد – 70 عاماً) من منطقة قنبر علي في الرصافة يقول إن “بعض (درابين) منطقة قنبر علي بنيت فوق بيوت قديمة، لذلك نجد هذه الدرابين مرتفعة عن أخواتها.” معللاً ذلك بأن “بغداد كانت تتعرض لخطر الفيضان بين فترة وأخرى، وبعض هذه الفيضانات تسببت بغرق البيوت مع طغيان المياه واختفاء معالم المدينة، إذ لم يعد يظهر منها إلا المآذن أو أشجار النخيل العالية، وعند انسحاب مياه الفيضان تكون البيوت والشوارع والمحلات قد طمرت، فما كان من أهالي بغداد إلا الهجرة أو الحفر لاستخراج دورهم أو بناء بيوت جديدة فوق بيوتهم القديمة.”
ويضيف: “لذا فإننا نجد بيوتاً في مناطق قنبر علي والفضل ومناطق صوب الكرخ أرضها مرتفعة بسبب البناء فوق البناء السابق بعد الفيضان.” داعياً دائرة الآثار والتراث إلى “الاهتمام بهذه البيوت واستملاكها بغية استخراج المباني والآثار واللقى تحتها.”
معالم مشوهة
من جانبه، يقول (سامي كريم) من حي الأعظمية شرقي بغداد، إن “معالم بغداد التراثية تتعرض إلى تشويه وتدمير واستيلاء وتهديم، فمناطق مثل أسواق الشورجة والصفافير وشارع النهر، تشهد إزالة وتهديم مبانيها القديمة لتقام مبانٍ جديدة بتصميم حديث بسبب تطور الأسواق، ولكون المباني القديمة المكونة من طابقين او ثلاثة ما عادت تكفي للخزن أو لتأسيس مكاتب تجارية أو معامل للجلود أو الخياطة أو الحياكة، وقد نشهد خلال العقد المقبل اندثار آخر المعالم التراثية في حي الكرادة.”
ودعا كريم أمانة بغداد والأجهزة البلدية إلى “إجراء كشف على الدور التراثية ومحاولة استملاك أفضلها وصيانتها وترميمها، لجعلها متاحف، أو استغلالها كمعارض فنية، أو تحويلها الى مقار تجارية بشرط المحافظة عليها، لتكون شواهد على حقبة من تاريخ بغداد تعبّر عن طريقة المعيشة واستخدام المبنى للاستجابة الى المتطلبات الحياتية.”
المهندس المعماري (سيف علي)، من مدينة الكاظمية، أوضح أن “بغداد تحتوي على مبان تراثية صممت لتستجيب لمتطلبات المناخ والأسرة، ويتجاوز عديد هذه المباني الألف مبنى، تقع في مناطق بغداد القديمة كالكاظمية والأعظمية والفضل والشواكة، إلا أن التوسع السكني حوّل تلك المناطق السكنية القديمة إلى مناطق تجارية، ما تطلب تهديم بعض المباني للاستجابة الى متطلبات التجارة لتأسيس محال تجارية واسعة ومتعددة.”
وأضاف أن “عمليات هدم هذه المباني، التي تنفذ بعلم الأجهزة البلدية، سوف تسهم في تغيير المعالم التراثية وطمسها، ما يتطلب من وزارة الثقافة تشكيل لجان مشتركة مع الأجهزة البلدية لتسجيل الدور التراثية، أو محاولة استملاكها، أو الحصول على تأكيد من مالكيها بعدم إجراء أي ترميم أو تغيير في معالم البناء إلا بعد الحصول على موافقة اللجنة التراثية.” مبيناً أن “المباني في الأحياء القديمة من بغداد تعرضت بعد 2003 إلى حملات الإزالة لولا تدارك الأمر من قبل وزارة الثقافة بالتعاون مع البلدية.”