الجزرات الوسطية.. يتيمة وسط شارع صاخب

376

إياد السعيد- الجزء الثاني/

تناولنا في الجزء الأول الجزرات الوسطية من حيث أغراضها ووجودها بهذه الأشكال العشوائية والإهمال، وقرأنا مجموعة من الآراء والمقترحات من قبل مواطنين ومختصين ومهتمين. وكان لأمانة بغداد رأي وخطة بشأنها تتلخص في إلغاء جزرات وسطية لتوسعة الشوارع.
ما حدا بنا للتوجه إلى مدير الإعلام في دائرة المرور العامة (العميد زياد القيسي) للوقوف على خطة الإلغاء فقال: “من خلال توجيهات السيد مدير المرور العام تعقد لجنة السلامة المرورية كل أسبوع لقاءاتها بالتعاون مع أمانة بغداد وبلديات المحافظات والطرق والجسور لوضع حلول لهذه الجزرات الوسطية واقتراح المرور العامة هو أن تقلص مساحاتها، فعرض بعضها تقريباً ثلاثة أو أربعة أمتار لتكون بمثابة فاصل فقط بعرض 30 سم فقط لتسهيل حركة المركبات وتوسعة الشارع.”
من هذا يتضح أن مقترح المرور العامة هو لغرض توسعة الشارع، لأن مهامهم الرئيسة هي حركة المركبات بيسر وانسيابية، ولا اعتراض على ذلك، فهذا من واجبهم لكن.. ألم تعترض جهة ما على ذلك؟ خذ مثلاً رأي المواطن (خالد شاتي): “لماذا هذه الحلول الترقيعية؟ فهل يعقل أن يكون الفاصل بعرض 30سم؟ طيب كم سيكون ارتفاعه؟ وهل تتوقعون من أصحاب السيارات عدم الاستدارة من حواجز كهذه؟ ومن يحاسب المخالف؟ أين سيقف شرطي المرور ليراقب هذه المخالفات؟ وما هي المادة التي سيصنع منها هذا الفاصل؟ لا أعتقد أنها خطة ناجحة أبداً.”
ثمة جوانب أخرى قد لا تخطر على بال جهاز المرور، بل ربما يتغافل عنها مجبراً، لأنها لجهات حكومية وربما خاصة نتعرف على إحداها من خلال حديث (العميد المتقاعد جاسم خلف): “في أحد شوارع بغداد ذات الجزرة الوسطية الواسعة فجأة توقفت سيارة أحد المواطنين، وفي لمح البصر اصطدمت بها سيارة من الخلف ما تسبب بضرر كبير للسيارتين وتأخير للسير وسط زحام شديد، والسبب -حسب إفادة سائق السيارة الأولى- أن أحد المارة برز فجأة من الجزرة الوسطية وأراد عبور الشارع ولم يلمحه لأنه كان خلف لافتة كبيرة مثبتة وسط هذه الجزرة! هذه واحدة من سلبيات الإعلانات التي تملأ الجزرات المرورية بلا محاسبة وبلا جمالية ولا ذوق ولا حتى نظام ترتيب.”
تجربة يمكن أن يشار إليها بإيجابية في محافظتين، هما بابل والديوانية بتشجير الجزرات الوسطية بشكل متناسق في بعضها والاهتمام بها، وفائدتها جلية ليلاً في حجب ضياء السيارات المارة باتجاهين متعاكسين ما يسهل القيادة الآمنة، وكذلك منح الشارع جمالية، وتستطيع أن تلاحظ الفرق بنسمة الهواء المعتدل الحرارة حين المرور بها.
دول كثيرة ألغت فكرة الجزرات المرورية، ولاسيما في أوروبا ودول الخليج، ولكن ببدائل منتجة بعد دراسة منافعها وأضرارها، لكن الأمر هنا في العراق مختلف تماماً، إذ يتعلق أمر إلغائها من عدمه بالمناخ ودرجة الوعي العام وتطبيق القانون ونظام المرور والزحامات المستمرة وعشوائية السير.
المفصل المهم الذي يجب الوقوف عنده كثيرا هو البيئة، وكيفية الاستفادة من الجزرات الوسطية لتحسين درجة حرارة الشارع على الأقل وتنقية هوائه من غاز عوادم المركبات الكثيف، ونحن نناقش الأمر بعضنا مع بعض، سمعتُ ألطف تعليق، ولعلّه يختصر المشهد من قبل أحد الباعة في التقاطعات وبالدارج: “خلوها ساترة علينا، ملجأ من الشمس والحر وين نروح؟” .. نعم أصبحت ملجأ للمساكين بائعي الشاي والماء والسيديات والسميط والورد، وفي الوقت ذاته أضحت مكباً للنفايات، لأنها خارج إطار الخدمة البلدية، إلا تلك التي على ممرات المسؤولين!!
جولتنا لم تنتهِ في الحاضر، بل امتدت إلى الماضي القريب، إذ كان لمهندس الطرق المتقاعد (فلاح السعيدي) هذا الرأي: “أصبحت الجزرات المرورية عائقاً وحملاً ثقيلاً نتيجة إهمال مبهم الأسباب، علماً بأن قياساتها غير علمية وتحتاج إلى ملاكات هندسية تعمل بإخلاص وتخطيط، وليس بمزاج صاحب القرار وإملاءات السلطات المحلية لتتحرر منها بشكل نهائي، إذ أن غالبية الاختناقات المرورية هي بسبب الجزرات هذه، ولا يجب أن نتشاءم تماماً، بل بالعكس، فهناك تجربة في محافظة كربلاء ينبغي التوقف عندها في ترتيب هذه الجزرات وحسب القياسات التي تتيح حرية الحركة وتعطي الشارع رونقاً.”
طبقا لمبادئ الإنصاف في الصحافة، لابد من مراجعة مجمل الآراء في الجزءين الأول والثاني من موضوع بحثنا، وسنجد أن البيئة هي محور مهم في نقاشاتنا مع من شاركنا الحديث، لذا اتجهنا إلى وزارة البيئة لنتعرف على وجهة نظرها من خلال (أمير علي الحسون) مدير عام التوعية والإعلام البيئي في وزارة البيئة الذي أوضح: “وزارة البيئة تقف ضد أية خطوة تتخذها أمانة بغداد أو البلديات أو أية جهة عامة أو خاصة لتحجيم المساحات الخضر، أو تغيير جنسها من مساحات خضر إلى جنس آخر، ومن ضمنها الجزرات الوسطية التي تمنح المدن وضعاً بيئياً صحياً، فضلا عن وضعيها الجمالي والتصميمي، وقد تُتخذ بعض قرارات اللجان المشتركة بين أمانة بغداد والبلديات والمرور لمعالجة الزخم الكبير والزحام في الشوارع بسبب التخطيط القديم والأطر القديمة، إذ أن غالبيتها ضيقة، إلا أننا نرغب في حلول بديلة لا تؤثر على المساحات الخضر، وأيضاً فإن على كل مدير عام في الدوائر البلدية ألا يترك أية جزرة وسطية دون تشجيرها بنباتات مستديمة الخضرة صيفاً وشتاء تسقى بطرق حديثة، إذ –للأسف- أن هناك إهمالاً للمساحات الخضر على حافات الطرق والجزرات الوسطية، لذلك فنحن لنا تواصل مع أمانة بغداد في هذا الشأن، ونوصي بأن تكون الإدارات العليا في ذلك هي البلديات وأن تولي اهتماماً بتطوير الأقسام الزراعية وتأهيلها لتصل إلى مستوى عالٍ في إدارتها.”