السوسيال السويدي وسحب الأطفال من عائلات المهاجرين: حضانةٌ آمنة أم رعبٌ عنصري؟

326

السويد/ آمنة الموزاني/
“هل جرب أحدكم أن يسحب طفله من حضنهِ ولا يُعاد له إلا وهو مراهق مدمن، أو لص محترف؟ لأربعِ سنواتٍ وأنا أهرول بينَ ثلوج الغابات وأصرخ كالمجانين، بعد أن خطفه مني (السوسيال)، بحجةِ التعنيف وخطورته على حياتهِ، غيبوا عنوانه كي لا أرى وجه ولدي المغيب إلا في الصور الإلكترونية، تخيّلوا..!”
صرخة أبوية ناقمة تلتها حملات على مواقع التواصل الاجتماعي ومظاهرات حاشدة في شوارعِ السويد ضد (السوسيال): مكتب الدائرة الاجتماعية المتهم بخطفِ أطفالِ المهاجرين وتخريبِ حياتهم لأسبابٍ عنصريةٍ، باعتباره المسؤول قانونياً عن ضمانِ تنشئةِ الطفل في بيئةٍ “آمنة”، إذ في حال الشك بوجودِ خطرٍ عليه فيحق له سحبهِ بقوةِ القانون ووضعه عند عائلة سويدية بديلة، فما حقيقة سحب الأطفال وتسليمهم إلى أسرٍ بديلة منفلتة؟ ولماذا اعتبرت العائلات أن أحكام المشرع القانوني عوراء؟ وهل حقاً أن ما يلاقيه الأطفال المسحوبون هو رعب عنصري أم أنه حماية من عنف حقيقي؟
كذب وعنصرية وتلفيق
“هربنا بأطفالنا من الحرب بحثاً عن الأمان، لكننا وقعنا بما هو ألعن، ليت الموت غيبنا في أوطاننا ولم نعش لهذا اليوم المشؤوم”..
بتلك الغصة الأبوية والدموع، قص الأبوان المنكوبان (سعاد وعمار) حكاية سحب أطفالهما من قبل دائرة (السوسيال) السويدية..
قالت الأم: “باتصالٍ هاتفي من البوليس أُبلغت بمراجعة دائرة السوسيال بخصوص ابنتي وأختها، اتصلت على الفور بوالدهن الذي كان في المدرسة، ذهبنا ونحن مليئين بالهلع ولا نعرف ماذا حدث، فأبلغتنا المسؤولة بأننا نخطط لتزويج ابنتنا القاصر التي أبلغت رفيقتها بهذا الأمر، والأخيرة قامت بإخبار المعلمة، لم تصدقنا ورفضت حتى إعطائنا فرصة التفاهم مع أطفالنا وإنما قررت التهمة وإحالتنا الى المحكمة، هنا فقد زوجي أعصابه وظل يصرخ على المسؤولة من هول الصدمة، كأيِ أبٍ خُطفت منه بناته، فاستغلت الأمر وثبتت ردة الفعل في محضر البوليس. تطور الأمر بسرعة وانتهى بقرار انتزاع طفلتينا منا رغم حرصنا على اطلاعهم بكل التفاصيل، لكن لا جدوى، لأن الفصل كان عنصرياً.”
حشيشة وانفلات ومجهول
بعصبيةِ أبٍ متهستر فصل (السوسيال) عنه أولاده وأخفاهم في عنوانٍ مجهول، مُنذ سنتين، تحدث (م.البدري) بغصة:
“مشكلتي بدأت مع والدتهم التي جئت بها إلى السويد عبر لم الشمل، هي من ساندت أفكارهم الانتقامية وألبتهم ضدي وكأنها تثأر من طريقة تربيتي، صرت أواجه منهم اعتراضات صلفة تطورت فيما بعد إلى قلة أدب، انفعالي كان يزيد مع كل أمر أفرضه وأشعر في نهايته أن هناك انفجاراً قادماً لا تحمد عقباه، لكني في المحصلة أب يصعب عليه ترك الحرية لولده المراهق بالسهر مع أصدقاء السوء والتحشيش حتى الصباح، أو أن تعود ابنته المراهقة متأخرة ليلاً حاملة بيديها سيگارة، أتذكر في إحدى المرات التي فقدت فيها أعصابي، بعدما سألتها لماذا تأخرتِ ولم تأتِ في الموعد الذي حددته لكِ، فأجابتني بوقاحة: أنا من يقرر لا أنت!
هُنا جُنَّ جنوني فضربتها وأجلستها قسراً بلا حراك مصدومة، وما هي إلا دقائق حتى فوجئت بالبوليس يطرق بابنا بعد أن اتصل بهم الجيران، اقتادوني بكل هدوء كشخص يعاني خللاً عصبياً، بقيت يومين في الحجز وأحالتني بعدها دائرة السوسيال الى المحكمة التي وثقت كل شيء، وأكدت أقوالها بشهادة والدتها لتثبت التهمة بكوني خطراً على حياتهم، ويجب أن يعيشوا بعيداً عني! عدت بعدها إلى البيت الخالي من أصواتهم منذ سنتين أصبحت فيهما مدمناً على الهلاوس السمعية والبصرية”!
المشرع السويدي أعور!
“عندما يعود الابن أو البنت من العائلة البديلة لأهلهم الأصليين وقد أصبحوا مدمني مخدرات وتدخين ولصوصاً، وبعضهم مهووساً بالشذوذ الجنسي، السؤال هنا سيكون: عن أي إصلاح وحقوق طفل يتحدث هؤلاء!؟”
بهذا التصريح المُرعب لأيِ أبٍ وأمٍ هربا بأطفالهما من جحيم الحروب ونيرانها الى السويد، بدأ الناشط المدني والمنظم لتظاهرات الأهالي في ستوكهولم ضد السوسيال (خالد العلواني) قائلاً بامتعاض:
“هل يرضى المسؤول السويدي، الذي يقرر مصير فصل الطفل عن أبويه أن يأخذوا أبناءه ثم يعيدوهم بتلك الأخلاق المنفلتة والممسوخة؟ جميعنا مع مبدأ حماية الطفل وحقوقه ونقف بوجه من يعنفه أو يؤذيه، لكن قضية سحب الطفل من عائلته يفترض أن تكون آخر الحلول المتدرجة، لكن السوسيال اليوم يتعمد انتزاع الطفل من عائلته المسلمة والأجنبية كأول الحلول وأقربها، وهذا خلاف القانون لأن الغاية من السحب يفترض أن تكون لصالح الطفل وتأمين حياته ومستقبله، لكن اتضح العكس، إذ أن معظم الأطفال الذين تم سحبهم من عوائلهم الى العوائل السويدية البديلة فشلوا دراسياً واجتماعياً وأخلاقياً، وبإمكان أية منظمة معينة أن تعمل استبياناً حول ذلك، بل وصلت العنصرية في بعض قرارات السوسيال أن فتاةً بعمرِ (١٧) سحبتها السوسيال بعد ورود بلاغ كاذب من مجهول بتعنيفها من قبلِ والديها المسلمين، والفتاة تقول في التحقيق وتؤكد أن لا شيء من هذا حدث، وكون أهلي عرباً لا يشكل خطراً عليّ ولا على حياتي، ومع مطالبة الادعاء العام بتبرئة أهلها، يصرّ السوسيال والبوليس على احتجازها بحجة أنها تتستر على إجرامِ أهلها، وعليه أصبح السبب الرئيس لسحب الأطفال هو الإيذاء النفسي للطفل يستطيع موظف السوسيال أن يطبقه على أية أسرة أجنبية أو مسلمة بالعادة، يريد سحب أطفالها ومسخ هويتهم”.
ارحلوا إلى بلادكم
المُحامية السويدية (نتالي لارشون) وثقت لمجلتنا أكاذيب كبيرة يسوقها بعض المحققين السويديين، وايضاً السكان ضد المواطنين الأجانب من المهاجرين في هذا الموضوع المُثير للجدل، إذ تقول:
“يتهمون المتظاهرين الرافضين لقرارات السوسيال المُتهم بخطفِ أطفالهم تحت ذريعة التعنيف، سواء أكانوا عرباً أم عراقيين، بأنهم كذابون ويريدون أن يستمروا في عملية التعنيف من خلالِ تشويه سمعة دائرة السوسيال وقوانينها لإلغائها، وكذلك اعتبار ضرب الأطفال وإجبارهم على المعتقدات والأفكار الشرقية وغيرها بأنه أمر طبيعي لا تعنيف أو جرم، هذا الكلام غير صحيح وفيه ظلم وعنصرية واضحة لأنهُ لا يوجد دين او بيئة او معتقد يقول إن تعنيف الأطفال وضربهم هو أمر صحيح، علماً بأن ضرب الأطفال في غالبية دول أوروبا مسموح به، واذا مُنع في بعضها ففي السنوات الأخيرة وبدون أية عقوبة او حكم، وبدل أن يشخصوا المشكلة في السويد ويحددوا العلاج لحلها مع الجهات المختصة، فإنهم يختارون إغماض عيونهم وإلقاء التهم جزافاً على الأبوين المهاجرين، الناس اليوم خائفون ومرعوبون وغير آمنين على أطفالهم مما يجري في دهاليز السوسيال، واي اعتراض يأتيهم الرد: اذا لم يُعجبك الأمر وقوانين السوسيال هنا، فارحل الى بلدك”..
القانون عادل ولا يهمنا
السوسيال، أو مكتب الخدمات الاجتماعية، سجل اعتراضاً ورفضاً لكل من يتهمه بالعنصرية وتعمد سحب أطفال الأجانب والمسلمين، مدافعاً على لسان (آنا غارديستروم)، موظفة السوسيال في القضايا الاجتماعية في ستوكهولم، قائلة:
“السوسيال وجد لحماية الطفل ومساعدة أهله في الوقت نفسه، أما عن مسألة التبليغ فجميع المدارس والمستشفيات لديها أمر بالإبلاغ في حالة وجود عنف ضد أي طفل، أما التركيز على سحب الأطفال الوافدين فهذا كلام غير صحيح، فالقانون يستهدف من يريد أن يفرض طريقة تربية معينة على طفله بالتعنيف والقسر، ولا صحة لما يقال عن اعتراضنا على الحريات أو الديانة أو التمييز العنصري”.
من جانبها، (غونيلا بريها)، المسؤولة عن شؤون الأطفال والعوائل في بلدية نورشبوري السويدية، عززت موقف السوسيال من جانبها، قائلة:
“هنالك مشكلة ثقافية وتربوية يواجهها الأهالي ذوو الأصول الأجنبية تتعلق بتربية الأطفال بطريقة تتماشى مع القوانين والأعراف السويدية، وما يشاع عن عنصرية الفصل لا حقيقة له، إذ أن مكتب الخدمات الاجتماعية ليست لديه أية نية مسبقة بفصل الأطفال، وإنما وضع حدود لهم وحماية الأطفال، ولا يكون الفصل إلا في الحالات التي يتعرض فيها الطفل للعنف داخل العائلة.”
أما (يوهان كلينغبوري) مدير مكتب السوسيال في بلدية فالكنبري، إحدى المدن السويدية، فقد أضاف: “نتحرك في حالتين: إما أن تقَدَّم شكوى ضد العائلة من قبل طرف ثالث، كالجار أو المدرسة، أو في حال تقديم أحد أفراد العائلة، كالطفل أو أحد الوالدين، طلباً بفتح تحقيق وصولاً إلى قرار المحكمة. المجتمع السويدي لديه التزام دقيق بالقوانين المتَّبعة والمتعلقة بحقوق الأطفال، ونحن نساعد الوافدين الى السويد على فهم ثقافة البلاد وآليات التربية بشان المسموح والممنوع من خلال شرح عمل النظام التربوي في السويد، وهذا تحدٍ كبير لهم، لأن أسس تربية الأطفال في السويد تختلف بشكل جذري عنها في ثقافات أخرى، ولاسيما الشرقية والشرق أوسطية، لذلك فإن كثيراً من اللاجئين المنحدرين من تلك الأصول يواجهون صعوبات حقيقية في التكيف مع تلك الأسس والتماشي معها، أذ يبقون متمسكين بأعرافهم الموروثة التي يتقاطع بعضها مع حقوق الطفل، إذ من الصعب أن تجد قبولاً في مجتمع كالمجتمع السويدي الذي يكون الأطفال جزءاً حيوياً منه، فنضطر هنا، بعد استكمال الإجراءات القانونية، إلى سحب الأطفال المعنَّفين إلى حاضنة أسرية آمنة.”