“الشبكة” تقترح منهج (فن الذوق والأخلاق)!

187

علي غني /

هناك اعترافات من التربويين بأن أخلاق بعض طلبتنا في انحدار، وأن بعض المدارس والجامعات أصبحت تعج بالطلبة الذين يتداولون المصطلحات (الهابطة)، وإقامة حفلات التخرج المتدنية، وهذا قد يغرق سفينتنا التربوية في هاوية يطلق عليها (تدني الذوق)، التي جل ما نخشاه أن يزداد روادها يوماً بعد آخر، حتى أن النصح بات غير مجد، إلا إذا اتجهنا الى تعليم أولادنا الذوق والتربية وفق منهج منظم مخطط له.
فهل ستقوم كل من وزارتي التربية والتعليم العالي والبحث العلمي باستحداث مناهج مقررة تخص الأخلاق والذوق؟ أم أن الأمور ستبقى على ما هي عليه؟ إنها مجرد توجيهات واجتهادات تمثل آراء أصحابها، فتعالوا معنا:
سلوكيات فوضوية
“ظاهرة واضحة للعيان بدأنا نلاحظها في مدارسنا وعلى اختلاف مراحل الدراسة، ألا وهي ظهور سلوكيات فوضوية ناتجة عن تدني الذوق العام لدى تلاميذ المرحلة الابتدائية وطلبة المرحلة الثانوية.” هذا ما شخصته الدكتورة جنان إسماعيل طه، المشرفة الاختصاصية في تربية الكرخ الثانية، وهي تقول بحسرة: إن “هذه الظاهرة أنتجت سلوكيات غير مقبولة اجتماعياً تمثلت في السلوك العدواني واللفظي بأشكاله المختلفة، الذي يؤدي الى جرح مشاعر الآخرين، وقد أصبحت هذه الظاهرة واضحة في مدارسنا للأسف الشديد، (أعرف طالباً كان قد ترك الدراسة لهذا السبب)، الى جانب التخريب والشغب داخل القاعات الدراسية وخرق المعايير التربوية والاجتماعية، إن هذه السلوكيات وغيرها تشكل اليوم عبئاً ثقيلاً على كاهل الهيئات التعليمية والتدريسية.”
تعليقات بذيئة
إن ما يواجهه مجتمعنا من تحديات (والكلام للدكتورة جنان) متمثلة في شيوع ثقافة العنف، قد شكل أرضاً خصبة لتنامي هذه الأخلاقيات التي تعتبر غير مقبولة .
وعزت الدكتورة جنان ذلك الى التطورات التكنولوجية المتمثلة بوسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، التي كان لها دور سلبي في بعض الأحيان.
وتضيف: “مع إهمال الرقابة من قبل الأهل لأولادهم، وترك الحرية لهم في استخدام تلك الوسائل من دون نصح او توجيه او رقابة، وكثيراً ما نبهنا إدارات المدارس التي نزورها (مع زملائي المشرفين الاختصاصيين) الى ضرورة متابعة طلابهم. كل هذا أدى الى اكتسابهم سلوكيات سيئة، مثل (التنمر الإلكتروني) المتمثل بالاعتداءات اللفظية والصورية بشتى أشكالها، التي يمكن اعتبارها غير لائقة وتدل على تدني الذوق العام في الحوار مع الآخرين (كما حدث مع الأستاذ جمال) الذي تعرض الى العديد من التعليقات البذيئة من قبل طلبته، فقرر ترك التعليم الإلكتروني واختيار مرحلة دراسية أخرى “.
أدب الحوار
وتقول الدكتورة جنان: “من خلال الجولات الإشرافية في المدارس، اشتكى الكثير من المعلمين والمدرسين من المشكلات التي تحدث نتيجة افتقار الطلبة لأدب الحوار، إذ يتطاول بعضهم ويتمادى ويصرخ ويثير الشغب داخل قاعة الدرس، ما يولد مشكلات داخل المدرسة، بل ووصل الأمر الى بث بعض الطلبة ما يسيء الى أساتذتهم في التطبيقات المختلفة في وسائل التواصل.”
ولكن كيف نعالج الأمر وقد رأيناه يستفحل في مؤسساتنا التربوية؟ تجيب الدكتورة جنان: إن “تفشي هذه السلوكيات لدى الطلبة -بشكل عام- يتطلب من المؤسسات الحكومية والتربوية جهوداً مشتركة للحد من تفاقم آثارها السلبية في العملية التربوية والمجتمع “.
وواصلت إنه “يجب الاهتمام بالإرشاد التربوي، فهو أحد أهم المعالجات في هذا الموضوع، إذ أن وجود المرشد التربوي في المدرسة له دور كبير ومهم في تعديل السلوك وحل المشكلات عند الطلبة، لذا أجد أن من الضروري توفير الدرجات الوظيفية للمرشدين التربويين لأنهم عصب العملية التربوية، سواء في المدارس الابتدائية أم الثانوية، بحيث لا تترك مدرسة بدون مرشد تربوي، إن هذا سوف يسهم في الحد من هذه الظواهر السلوكية بالتأكيد “.
درس الأخلاقية
كما ترى الدكتورة جنان “ضرورة إعادة منهج (التربية الأخلاقية) الى المناهج الدراسية، الذي كان يدرس في المرحلة الابتدائية، بل أرى أن هذه المادة مهمة جداً لأنها تعلم الأطفال الأخلاق الحميدة، وكما يقال (إن التعلم في الصغر كالنقش على الحجر)، فالطفل كالوعاء الفارغ إن امتلأ علماً وخلقاً أصبح نوراً ومناراً. كما أن لوسائل الإعلام دوراً مهماً ورئيساً، سواء أكانت مرئية أم مسموعة أم مقروءة، في الحد من هذه الظاهرة من خلال التوعية المستمرة بخطورة انتشار هذه الظواهر السلوكية غير المرغوب فيها والمرفوضة من قبل المجتمع.”
سلوك عدواني
بينما يرى الأستاذ حسين هندي حسين، معاون المدير العام للإشراف التربوي في وزارة التربية: أن “التنمر هو سلوك عدواني متكرر يهدف للإضرار بشخص آخر عمداً، جسدياً أو نفسياً، كما يهدف إلى اكتساب السلطة على حساب شخص آخر، كما يمكن أن تتضمن التصرفات، التي تعد تنمراً، التنابز بالألقاب، أو الإساءات اللفظية أو المكتوبة، أو الإقصاء المتعمد من الأنشطة، أو من المناسبات الاجتماعية، أو الإساءة الجسدية، أو الإكراه.”
وبيّن الأستاذ حسين أن “هذه الظاهرة السلبية نشأت في الغرب، لكنها بدأت تغزو مدارسنا بفعل تأثيرات برامج التواصل الاجتماعي والغزو الإعلامي الغربي، ويكفي الاطلاع على الإحصائيات العالمية الخاصة بهذه الظاهرة للوقوف على خطورتها.”
ظاهرة خطرة
تُشير دراسات إحصائية الى أن ثمانية من طلاب المدارس الثانوية يغيبون يوماً واحداً في الأسبوع على الأقل بسبب الخوف من الذهاب إلى المدرسة خشية من التنمر. كما كشفت دراسة مسحية أن الطلبة ممن يمارسون التنمر، وكذلك ضحاياهم، قد حصلوا على درجات عليا في (مقياس الأفكار الانتحارية)، يا الله، كم هي مرعبة هذه الافكار.
الهدر المدرسي
هذه الإحصائيات المقلقة (كما يقول الأستاذ حسين)، تدفعنا للتساؤل عن هذه الظاهرة وتحليلها بحثاً عن أسبابها وطرق علاجها، حتى لا تتحول إلى عامل آخر يضاف إلى عوامل الهدر المدرسي في دول العالم الثالث. سألناه: إذا أردنا دراسة هذه الظاهرة، فماذا نحتاج؟ فأجاب: “لابد أولاً من البحث عن تعريف لها قبل الحديث عن أسبابها وطرق علاجها، إذ أن المتنمرين يتصرفون بهذه الطريقة كي يُنظر إليهم على أنهم محبوبون أو أقوياء، أو قد يتم هذا من أجل لفت الانتباه، كما أنهم يمكن أن يقوموا بالتنمر بدافع الغيرة، أو لأنهم تعرضوا لمثل هذه الأفعال من قبل. يقترح مركز الولايات المتحدة الوطني لإحصاءات التعليم تقسيماً ثنائياً للتنمر: تنمر مباشر، وتنمر غير مباشر، الذي يُعرف أيضاً باسم العدوان الاجتماعي، ويتميز هذا الأخير بتهديد الضحية بالعزل الاجتماعي.”
حصار كامل
ويواصل كلامه (تأملوا الخطورة): “وتتحقق هذه العزلة من خلال مجموعة واسعة من الأساليب، بما في ذلك نشر الشائعات، ورفض الاختلاط مع الضحية، والتنمر على الأشخاص الآخرين الذين يختلطون مع الضحية، ونقد أسلوب الضحية في الملبس وغيره من العلامات الاجتماعية الملحوظة (مثل التمييز على أساس عرق الضحية، أو دينه، أو الإعاقة، أي فرض حصار كامل على الضحية).”
وماذا عن إجراءات الوزارة الرسمية؟ يجيب الأستاذ حسين: “لقد اتخذت وزارة التربية العديد من الإجراءات للحد من هذه الظاهرة التي بدأت تتضح في بعض المدارس، إذ شكلت الوزارة لجاناً في المديريات العامة للتربية لمتابعة هذه الظاهرة، ولا توجد إحصائيات دقيقة عن عدد الحالات لعدم تحقق الدوام الحضوري للسنتين الأخيرتين بسب جائحة كوفيد ١٩، فضلاً عن الإجراءات المتخذة حسب نظام المدارس الثانوية ونظام المدارس الابتدائية للحد من تلك الحالات”.
أخلاقيات المهنة
في حين رأت الدكتورة سندس سمير جمعة العزاوي، اختصاص هندسة كهروميكانيك في الجامعة التكنولوجية، أن “أخلاقيات المهنة في التعليم العالي والبحث العلمي مهمة للطالب الذي سيحصل على شهادة البكالوريوس، وذلك لحاجة الطلبة الى مفاهيم التربية الحديثة بعد جائحة كورونا، وانتشار التعليم عن بعد في مختلف مراحل الدراسة، لذا يجب إعادة ضبط الطلبة! لكي يعرفوا قيمة ومعنى الدخول الى الجامعات، إذ أن لأخلاقيات المهنة تأثيراً كبيراً على خريجي البكالوريوس، إذ يعد الطالب الخريج رمزاً من رموز المستقبل، وبناء المجتمع المتقدم، لذا فإن على كل خريج أن يحصل على النجاح في مادة تسمى (أخلاقيات المهنة).”
وأرجعت العزواي السبب في تردي الأخلاق لدى بعض الطلبة الى “تأثيرات مواقع التواصل الاجتماعي التي تشجع على السلوكيات المنحرفة، والديمقراطية المصطنعة والحرية المنفلتة، وفي تصوري فإن من أهم أهداف التربية والتعليم زرع الثقة في نفس الطالب، وتوفير دروس إضافية في التربية والتعليم “.
حقوق الانسان
إلى ذلك، يقترح الدكتور منصور كاظم السوداني، من الجامعة العراقية، أن “تتضمن المناهج التربوية مواضيع عن الأخلاق وحقوق الإنسان، والتأكيد على العيش المشترك، أضف الى ذلك أن الوزارة أصدرت توجيهاً الى المدارس في العراق عموماً بأن يقوم المدير في مراسم رفع العلم بتنبيه التلاميذ والطلبة الى الظواهر السلبية والابتعاد عنها، كذلك الأمر ذاته للهيئات التعليمية والتدريسية باستغلال الدقائق الأولى من الدرس بالتوجيهات الأخلاقية والالتزام بالتعليمات التربوية”.
وتابع: “وزارة التربية أقامت العديد من الدورات لشرح ظاهرة التنمر الإلكتروني وكيفية معالجة الحالات المسيئة، ومتابعة الحالات الخطرة، ولاسيما التهجم على الهيئات التعليمية والتدريسية وإحالة المسيئين الى الجهات المختصة لضمان أن تكون هيبة المعلمين والمدرسين محفوظة.”