قصة مكان ثلاث جزر معزولة لم تفك أسراها الغامضة

367

باسم عبد الحميد حمودي/

في يوم عيد الفصح عام 1722 رست سفن الأميرال الهولندي (جاكوب روغييلفن) على ساحل جزيرة تواجه دولة تشيلي، يقطنها بين 2000 – 3000 من بقايا الشعب (البولونيزي)، وسمى الأميرال هذه الجزيرة بـ -جزيرة الفصح- لأنه دخلها في بدء العيد، مندهشاً بما وجد فيها. تحوي هذه الجزيرة على ما يقارب الألف تمثال ضخم، متجاورة على شكل إنساني ضخم ومرعب، وعدم وجود أقدام لتلك التماثيل! والظاهر أن تلك الجزيرة كانت مركزاً لعبادات وثنية.
جزيرة الشيطان
هذه الجزيرة كانت مقراً لسجن فرنسي رهيب يصل إليه المحكومون من فرنسا ليعيشوا سنوات قاسية على يد سجانيهم الذين يتولون تعذيبهم وعقابهم وتقليل حصصهم الغذائية إذا لم يلتزموا بشروط سجانيهم. في زمن نابليون الأول مات آلاف من سجناء هذه الجزيرة التي سميت بـ (جزيرة الشيطان) على الرغم من جمالها الطبيعي. وأنتجت السينما الكثير من الأفلام عنها، واستنسخت السينما المصرية قصتي فيلمين عنها قام ببطولة أحدهما منها النجم عادل أمام والجميلة ليلى علوي. الطريف أنه في سواحل كندا القطبية توجد جزيرة تحمل اسم (جزيرة الشيطان).. لم تفك أسرارها بعد.
جزر الفارو
هذه الجزر المتقاربة تقع في منتصف المسافة بين النروج وآيسلندا في القسم الشمالي من أوربا، وقد تعاقبت تاريخياً السيطرة عليها ألمانيا وبريطانيا ثم الدانمارك، جزر (الفارو) اليوم تابعة لمملكتها، لكنها تتمتع باستقلالها الذاتي وتعاملاتها التجارية المستقلة. ويبدو أن تاريخ حزر (الفارو) غامضاً حتى اليوم، إذ احتلها (الفايكنك) في القرون الوسطى، ثم تركوها تحت ضغط الإنكليز، لكن بقايا سلالاتهم ما زالت ظاهرة بين سكانها الذين لا يتجاوز عددهم اليوم الستين ألفاً من البشر، معظمهم من البروتستانت كما يعيش بينهم نحو ألف مسلم. يتكلم سكان (الفارو) اللغتين النرويجية والفاورية المحلية، وبعضهم يتقن الإنكليزية نتيجة التعليم المنهجي المحلي، لكن تاريخ (الفارو) ما زال غامضاً حتى يومنا هذا!
بلاد العميان
رواية قصيرة بالإنكليزية الميسرة درسناها في المرحلة الإعدادية في خمسينيات القرن الماضي، وهي للكاتب الإنكليزي الشهير (H.g.Wellz)، تصور سكان جبال (جمبروزو) في منطقة الأنديز، المنقطعين عن العالم الخارجي، يهبط في بلادهم مستكشف يدعى (نيتز) الذي كان قد سقط على محفة ثلجية أثناء تجواله وسط الجبال.
كان سكانها جميعاً عمياناً، هكذا ولدوا، وهم يعيشون حياتهم متكيفين دون اهتمامهم بالمكان الذي يقع فيه محجر العين، ذلك أن هذا المكان في عرفهم لا يشكل شيئاً يمنعهم عن ممارسة حياتهم الطبيعية، لكنهم وجدوا في رأس الرجل الذي سقط عندهم ما أزعجهم.. عيناه اللتان كانتا تتحركان وسط محجريهما بخوف وترقب وهو يرى أشكال بيوتهم الغريبة التي لا تتسق مع أي معنى معماري.
كان هؤلاء العميان أحفاد رجال ونساء من (البيرو) هربوا من تعديات الإسبان عليهم في الجبال الفسيحة، وسقطوا عند منخفض أرضي أبعدهم عن حضارة الآخرين، لكنهم كانوا سعدوا بحريتهم التي شابها حلول مرض أصاب عيونهم فأتلفها تدريجياً. ثم جاء الجيل التالي فاقداً نعمة البصر (هكذا ترسم الرواية)، لكنهم تدبروا أمورهم باكتشاف ما حولهم والعيش والعمل دون اهتمام بشيء لم يحصلوا عليه، وهو البصر.
عاش (نيتز) معهم في وضع استكشافي مريب لطبيعة حياتهم، وعندما اختار فتاة منهم للزواج بعد تعلقها به، وافق زعيم المجموعة بشرط واحد وهو أن (يحذف) نيتز عينيه، ويرفع هذا المتحرك وسط محجر العين، فهو شيء زائد يتلف بصيرة الإنسان، ليكون مثلهم، إنساناً سوياً بدون عينين.
يوافق نيتز بعد صراع مع النفس، لكنه في يوم تنفيذ عملية رفع الباصرتين يستطيع اكتشاف طريق يقوده الى بر الأمان متخلصاً من كارثة فقدان البصر. وهكذا ينجو السائح بحياته عن محيط بلاد العميان الذين ارتضوا العيش ضمن ظروفهم الخاصة، متمتعين بحريتهم ووعيهم للحياة كما هي. ويعود نيتز ليروي طبيعة وظروف الناس الذين فارقهم، الذين استوعبوا استخدام البصيرة دون البصر وعاشوا سعداء بحريتهم.