ضياء سالم: جرائم الديكتاتورية ونظامها السري لم تُدوّن بعد

1٬122

#خليك_بالبيت

علي السومري – تصوير: صباح الامارة /

كان لولادته في محلة الشيخ عمر في رصافة بغداد العام 1960 أثر واضح في تشكيل وعيه الثقافي والسياسي، هو العارف بأدق تفاصيل الحياة البغدادية وحكاياتها، أفراحها وفواجعها، التي تصاحبه حتى اللحظة، وطالما فرضت نفسها على ما يكتبه، سواء في السرد أو المسرح أو الدراما، وحتى في الأفلام الوثائقية التي قام بإخراجها.
ضياء سالم، الكاتب والقاص والمخرج والسيناريست، الذي تشبه حياته حيوات جميع العراقيين الحقيقيين الذين ناصروا الحق ولم يرضخوا لجميع مغريات الباطل المتمثلة في ديكتاتورية النظام البائد، ودفع ثمناً باهظاً من جراء مواقفه منهم، وصلت إلى سجنه آنذاك.
(سالم)، الذي يصفه الأصدقاء بأنه أحد الأصوات الجريئة وصاحب المواقف الكبيرة بوقوفه على الدوام مع العراقيين ومِحَنهم زمن الطاغية وما بعدها، ما يزال حتى اليوم مناصراً كبيراً لأحقية الأمة العراقية بنيل حقوقها. مواقف ترجمها على أرض الواقع سواء بمشاركته الفاعلة في التظاهرات والفعاليات الاجتماعية والثقافية ووقفات الاحتجاج المطالبة بحرية التعبير وحماية العراقيين، أو بتدوينها كنصوص قصصية ومسرحية وتلفزيونية.
كتب ضياء سالم القصص وصدرت في مجموعتين، كما كتب أكثر من عشرة مسلسلات تلفزيونية، من بينها (قنبر علي) و(سامكو) و(حب في قرية) و(ابن الجنوب)، وعمل معداً للبرامج التلفزيونية لأكثر من ثلاثة عقود، وفازت نصوصه المسرحية بجوائز عدة.
ومن أجل تسليط بعض الضوء على مسيرته الثقافية والإبداعية، أجرت مجلة “الشبكة العراقية” معه هذا الحوار، حوار ابتدأناه بسؤال:
قصص أعدمها مقص الرقيب
•يمكننا القول إن (كرات ملونة)، مجموعتك القصصية الأولى، كانت تذكرتك للدخول إلى عام السرد, كيف ترى هذا العالم اليوم محلياً وعربياً، وهل أصبحت للسرد العراقي ملامح واضحة؟
-لم تكن (كرات ملونة) بطاقة الدخول إلى هذا العالم العجيب، بل كانت هناك قصص كثيرة قدمتها للصحف العراقية في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، أعدمها مقص الرقيب زمن النظام البائد، إلى أن جاءت اللحظة التي نصحني فيها القاص الراحل عبد الستار ناصر بأن أكتب للطفل، طالما أن جميع قصصي منعت من النشر، فجاءت (كرات ملونة) كمجموعة قصصية بسيطة تتماهى مع عالم الطفل، وبالرغم من أنها كانت موجهة لشريحة الأطفال، إلا أن أياً منها لم تنشر في العراق، ولهذا قمت بطباعتها في الأردن .
أما عن سؤال السرد، فأعتقد أن السرد العراقي امتلك ملامحه الواضحة من فؤاد التكرلي إلى أحمد سعداوي، فهو حاضر بقوة بكل معطياته الأدبية والفكرية.
مافعله النظام لايتحمله العقل
•كان لتجربة السجن التي مررت بها في زمن النظام البائد أثر واضح في ما كتبت، وأثمرت عن إصدار مجموعتك القصصية (فراشات بيض)، التي يعدها الكثير من المختصين بأنها صرخة واضحة ضد الديكتاتورية آنذاك، ما الذي أردت إيصاله إلى لقراء عبرها؟
-(فراشات بيض) هي تجربة حقيقية عن قسوة النظام المباد داخل السجون السرية، وحين كنت أكتبها كانت يدي ترتجف من حجم البشاعة التي رأيتها هناك، وما كتبته لا يُعّد إلا جزءاً بسيطاً من هول ماكان يحدث فيها، ولو أردت تدوين كل ما شاهدت لاحتجت إلى عشرات الكتب. ماكان يجري هناك لايتحمله العقل البشري من حجم القسوة وإهانة الإنسان وإذلاله ومحاولة سحقه, أردت أن تكون (فراشات بيض) وثيقة حقيقية إلى الأجيال القادمة لكي يتعرفوا على وجه الدكتاتور البغيض.
أغلب كتاباتي تتحدث عن بيئة المجتمع
•طوال أربعة عقود كنت شاهداً على ما مربه العراق من حروب طاحنة وحصار وجرائم اقترفها الطاغية بحق العراقيين، يضاف إلى ذلك عملك في مؤسسة الذاكرة العراقية، التي اختصت بتوثيق هذه الجرائم بعد سقوط النظام, بصراحة مطلقة كيف تقيّم ما تمت كتابته عن هذه الحقبة السوداء سواء من قبلك أو من قبل الكتّاب الآخرين؟
-أغلب المسلسلات التي كتبها بعض الكتّاب كانت غير مدروسة ومنفعلة، لأن أغلبهم لم يعيشوا التجربة بشكل حقيقي، أخذوا ما كان طافياً على السطح، ولم يتمنكوا من سبر أغوار هذه المحنة. لهذا لم تنجح التجربة ولم تأخذ حيزاً في ذاكرة الناس، عدا بعض المسلسلات التي كتبت بعناية ودقة. أنا شخصياً كتبت عن بيئة المجتمع في تلك الحقبة التي عشت مرارتها وأغلب الشخصيات كانت حقيقية. يستطيع أي كاتب أن يكتب عن أية حقبة بعد دراستها إذا كان ابناً لحياة كاملة. أما عن تجربتي في مؤسسة الذاكرة العراقية، فقد كانت تجربة مختلفة، إذ كنت أدون بالصوت والصورة الناجين من المقابر الجماعية، أو الناجين بأعجوبة من سجون النظام البائد، ولم يكن يمر يوم تصوير دون بكاء، لأن ماكنا نسمعه يفوق تصور الإنسان من بشاعة وإجرام، ولهذا أعتقد بضرورة تدوين كل شيء عن جرائم ذلك النظام السري، والذي لم يدون بعد.
نص مسرحي سيحدث مفاجأة!
•لنتحدث عن المسرح، كتبت في تسعينيات القرن الماضي نصوصاً عدة، من بينها (انتظريني أيتها السنوات) و(نقطة الفراغ)، وجميعها حصلت على جوائز أفضل نصّ مسرحي وجوائز أخرى، يضاف إليها نصّ (بعيداً بانتظار الضوء) الذي حجبت عنه الجائزة لإدانته للحرب آنذاك. سؤالي: ما سر توقفك عن الكتابة للمسرح ونحن نعاني، بحسب قول المختصين، من ندرة النصوص المسرحية؟
-المسرح هاجس جميل ومضنٍ، في التسعينيات كان هناك جيل كامل يقاتل من أجل إثبات ذاته على خشبة المسرح، وكان الكل يعمل بالرغم من صعوبة الحياة، زمن الحصار والجوع والحرمان من أبسط مقومات الحياة. المسرح سحر، وأنا أحن إليه، ومازال هاجسه يسكن قلبي، لكنني ابتعدت لكي أعيش من خلال الكتابة للتلفزيون، ومع هذا لدي نصّ جديدا وطويل اسمه (5000)، وسيكون مفاجأة، لأنه يتحدث عن خراب العالم، والمستقبل المجهول.
•في الدراما، كسينارست، تُعّد أحد الكتّاب البارزين، وتركت بصمة واضحة في ما قدمته فيها مثل مسلسلي (قنبر علي) و(سامكو)، هل من جديد اليوم في جعبة ضياء سالم الكاتب والقاص والسينارست؟
-أعود الى ماقلته سابقاً، مازلت أكتب عن جرائم النظام ووحشيته في مسلسل جديد اسمه (الملف 48)، وهو مسلسل اجتماعي سياسي، أتمنى أن يرى النور.