في معرض (طبيعة عراقية) صرخة احتجاج لإنقاذ الطبيعة

386

زياد جسام/
حتى وإن بدا معرض “طبيعة عراقية”، الذي أقيم مؤخراً على القاعة الرئيسة في جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين ببغداد، أنه مهرجان فني لاستعرض المواهب والإمكانيات التقنية والمسائل الإبداعية فقط، لكنه في الحقيقة كان بمثابة صرخة احتجاج كبيرة أطلقها سبعون فناناً وفنانة عبر لوحات كانت كأنها نوافذ تطل على مناظر طبيعية لمختلف محافظات العراق.
هذه الصرخة حملت الكثير من المعاني ضد كل ما تعرضت له الطبيعة العراقية من إهمال وتجريف، سواء أكان متعمداً أم غير ذلك، فقد أخذت المناطق الخضر في عموم البلاد بالانحسار، وهذا الشيء يؤسف عليه فعلاً.
والواقع أن معرض “طبيعة عراقية” يعد من المعارض المهمة التي تقيمها جمعية التشكيليين العراقيين خلال منهاجها السنوي، ويشارك فيه عدد كبير من الفنانات والفنانين بلوحات تعبر عن جمال الطبيعة في المحافظات العراقية كافة، إلا أن هذا المعرض -الذي أقيم مؤخراً- له خصوصية من ناحية اختيار موضوع الطبيعة، او ما يسمى بـالـ “لاند سكيب” كمصطلح يستخدمه الفنانون التشكيليون، باعتبار أن الطبيعة باتت مهددة بالانقراض فعلاً، وهنا انتفض الفنانون التشكيليون وأرادوا أن يستثمروا افتتاح معرضهم هذا ليكون بمثابة صرخة احتجاجية، آملين أن تصل صرختهم الى المسؤولين وأصحاب القرار ليضعوا حداً لهذه المسألة المهمة.
رسم مباشر
انعكست الآثار المدمرة للبيئة على أحاديث غالبية الفنانين الى الإعلام بمناسبة الافتتاح، وعن معاناتهم في الحصول على منظر طبيعي ذي مساحة خضراء واسعة ليرسموه رسماً مباشراً، باعتبار أن جمالية لوحات الطبيعة تكمن في كونها قد رُسمت بطريقة الرسم المباشر، وأن الفنان حضر في المكان واختار الزاوية المناسبة لرؤيته الإنشائية التي ينفذها على اللوحة، فالمعروف أن الفنانين التشكيليين -بصورة عامة- عند دراستهم الأكاديمية كان لديهم درس مخصص عن الإنشاء والألوان، الذي يعد من أهم الدروس لتعليم الرسم.. فقد كان أساتذة الفن التشكيلي في معهد الفنون الجميلة، أو كلية الفنون الجميلة، من أمثال الرائد الراحل فائق حسن والفنان الراحل محمد صبري، وغيرهما من المتميزين، يأخذون طلبتهم بين فترة وأخرى الى درس خارج نطاق المؤسسة التعليمية، إذ يذهبون بهم الى أماكن مختلفة من بغداد -أو المحافظات- ليختاروا زوايا رسم الطبيعة او المناطق الخضر، التي كانت موجودة حتى داخل الأحياء السكنية، ومن هذه المناطق التي اشتهرت بالطبيعة الخلابة والبساتين مناطق الطارمية، والدورة، وأبو غريب، وغيرها من المناطق الخضر..
جوانب بصرية
مثَّل المعرض مناسبة للفنانين للتعبير عن هواجسهم من التأثيرات السلبية التي لحقت بالطبيعة، ولاسيما أنهم كانوا يذهبون الى هذه المناطق ليستعيدوا ذكرياتهم الدراسية ويرسموا لوحاتهم هناك، لكنهم فوجئوا بأنها لم تعد مناطق زراعية، بل تحولت الى مجمعات سكنية او بناء عشوائي، وهذا ما أثار حفيظتهم وجعلهم يطلقون هذه الصرخة، علّها تصل الى المعنيين بهذا الأمر، باعتبارها رسالة إنسانية من فنانين معنيين بالجانب الجمالي وتقييم النواحي البصرية، فقد وجدوا أن معالجة الجوانب البصرية والجمالية في المدينة تعمل على تحقيق بيئة نظيفة خالية من التلوث من خلال توفير المساحات والمناطق الخضر، وبالتأكيد سيكون لها مردود اقتصادي أفضل ناتج عن الجذب السكاني والسياحي للمناطق والعناصر الجمالية، وكذلك الراحة النفسية للسكان، فالواحات الخضر تعد من أهم العوامل في متعة العين والراحة النفسية، لأن الحياة تتطلب وجود مناخ مناسب للعيش وبيئة نقية وفق معايير معينة، ولا يحدث ذلك إلا بتوفر مناطق خضر وحدائق بمختلف الأشكال، وهذا ما تعمل عليه الدول المتقدمة دائماً.