مكتبة آية الله مرعشي.. كنز التراث الإسلامي

119

طهران – منى السراج/
تعتبر مكتبة آية الله المرعشي أكبر مكتبة للمخطوطات في إيران، وثالث أكبر مكتبة في العالم الإسلامي. قام بتأسيسها العالم الديني الكبير الراحل آية الله شهاب الدين المرعشي النجفي بجهوده الخاصة ومثابرته الحثيثة والمضنية الرامية لحفظ التراث الإسلامي.
تعد مكتبة المرعشي ثالث أكبر المكتبات في العالم الإسلامي بعد مكتبة السلطانية في تركيا ودار الكتب في مصر، إذ تضم كمية هائلة من الكتب الإسلامية والشيعية، تشمل العشرات من المخطوطات النادرة والكتب المطبوعة بالطباعة الحجرية. إذ يضم هذا الصرح الثقافي والفكري اليوم أكثر من 250000 كتاب و25000 طباعة للكتب على الإنترنت. قال عنها بروفيسور فرنسي زار المكتبة: لقد سمعت عن المعجزة، لكني لم أفهم معناها إلا بعد أن زرتها.
سيرة مؤسس المكتبة
مؤسس المكتبة هو السيد شهاب الدين محمد الحسين المرعشي النجفي، كان والده السيد محمود شمس الدين بن شرف الدين علي المرعشي، من العلماء السادة في مدينة النجف، ورزق بشهاب الدين عام 1315هـ في مدينة النجف. بدأ السيد شهاب الدين مشواره العلمي في مسقط رأسه، فأتقن العلوم النقلية والعقلية على أيدي أساتذة الحوزة الدينية بالنجف، الى جانب دراسته علمي الرياضيات والطب، وبعد حصوله على درجة الاجتهاد من النجف هاجر إلى إيران ليحط رحاله في مدينة قم، وهناك لازم مؤسس الحوزة العلمية الشيخ عبد الكريم الحائري وتلقى عنه دروساً مختلفة، حتى نال تدريس الفقه والأصول في بحوث الخارج، وتخرج على يديه المئات من طلبة العلوم الدينية.
تاريخ المكتبة
يؤكد السيد محمود المرعشي نجل آية الله السيد شهاب الدين المرعشي أن “المكتبة تعتبر من حيث جودة النسخ النادرة والقديمة للمخطوطات الإسلامية أكبر مكتبة في إيران، والمكتبة الثالثة عالمياً.”
النواة كانت في العراق
وضع المرعشي النجفي اللبنة الأولى لتأسيس المكتبة قبل ثمانين عاماً، وتعود النواة الأولى لتأسيس المكتبة إلى فترة كان المرعشي حينها يدرس في الحوزة العلمية بالنجف الأشرف، حيث واجه الكثير من التحديات والعوائق، إذ كانت الحالة المادية السيئة وتهريب التراث الثقافي الى خارج العراق على يد رجال مؤثرين، أبرز العوائق أمام السيد المرعشي، إلا أنه تجاوزها كلها. حتى يذكر أنه تعرض للاعتقال بسبب اصطدامه مع القنصل البريطاني في العراق أثناء شرائه إحدى النسخ الخطية، وقضى ليلته في السجن.
قام آية الله مرعشي النجفي بعد الانتهاء من الدراسة والبحث العلمي بخفض نفقاته اليومية، واستئجار الصلاة والصوم، وحذف وجبة غذائية يومياً، وكذلك العمل ليلاً في مطاحن الأرز بالنجف الأشرف لينجح في اقتناء وجمع التراث والمخطوطات الإسلامية، وانتهى الأمر الى جمع مجموعة نادرة من النسخ الخطية القديمة والكتب المطبعية.
حمل مشروعه الى إيران
بعد هجرة آية الله مرعشي النجفي من العراق إلى إيران عام 1342 هـ، اصطحب معه المجموعات الكبيرة التي جمعها وكان يحتفظ بها في بيته. وفي إيران استمر السيد في مشروع جمع المخطوطات والكتب. في تلك الفترة كان يفد على مدينة قم كبار أساتذة الجامعات ليستفيدوا من المخطوطات النادرة الموجودة في منزله، التي لم يكونوا يجدونها في أي مكتبة أخرى. وكان منهم (آغا بزرك الطهراني) صاحب كتاب (الذريعة)، الذي يذكر في كتابه أنه اعتمد بشكل كبير على مكتبة السيد المرعشي في تأليفه.
تحتوي المكتبة اليوم على أكثر من (500000) كتاب، وما يقارب الـ (30000) مخطوطة، بلغات مختلفة، كالفارسية، والعربية، والتركية، والأردية، والسنسكريتية، والحبشية، والفرنسية، والألمانية، والإنجليزية، والروسية، والإيطالية وغيرها. يشمل هذا المنهل الثقافي الإسلامي كتباً مطبعية كثيرة بلغات أوروبية تبلغ (30000) كتاب، أما المجلدات الموجودة باللغات العربية، والتركية، والأردية، والفارسية، فتبلغ أكثر من (450000) مجلد. وللمكتبة علاقات مباشرة مع أكثر من (400) مركز للبحث والتحقيق، والجامعات، والمكتبات العامة المعروفة على مستوى العالم، تقوم بتبادل علمي وثقافي معها، وقد جرى إدخال وتوثيق جميع معلومات المكتبة بالكمبيوتر.
عدد كتب المكتبة
تعد مكتبة آية الله المرعشي النجفي من أكبر المكتبات في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لتأتي بعدها مكتبة مجلس الشورى الإسلامي، ثم تحتل مكتبة العتبة الرضوية المركز الثالث. يقدر عدد عناوين المخطوطات الموجودة في المكتبة اليوم نحو 31 ألف عنوان، مشتملةً على أكثر من 60000 مجلد، أكثر من 65 بالمئة منها باللغة العربية، والبقية باللغة الفارسية، وقليل من التركية، الأوردو، والحبشية، واللاتينية، والتترية، والبهلوية. عدد هذه المخطوطات ليس ثابتاً، إذ يزداد هذا العدد كل سنة من 750 إلى 1000 مخطوطة نادرة مختارة تضاف إلى الخزانة، إما من خلال عمليات الشراء أو الإهداء.
وتشمل المخطوطات الكثير من الموضوعات منها: الفقه، والأصول، وعلم الكلام والعقائد، والمنطق والفلسفة، والعرفان والتصوف، والحديث، والتفسير وعلوم القرآن، والأدب، والأخلاق، والطبيعيات، وعلم الدراية وتراجم الرجال، والأنساب، والعلوم الغربية والأعداد، والفيزياء، والكيمياء، والرياضيات، والجغرافيا، والهيئة، والفلك، والطب، والموسيقى. كما أنها تضم كثيراً من المخطوطات النادرة التي كتبها المؤلفون بأيديهم أو كُتبت تحت رعايتهم.
أقدم مخطوطة (غير مؤرخة) موجودة في المكتبة اليوم هي قسم من القرآن الكريم بالخط الكوفي من أواخر القرنين الثاني والثالث الهجريين، وأيضاً أقدم النسخ المؤرخة هي جزءين من القرآن الكريم بالخط الكوفي خطهما علي بن هلال المعروف بابن البوّاب في بغداد سنة 1002م/392هـ. كذلك جلدان من تفسير التبيان للشيخ الطوسي يعود تاريخهما إلى 1074م/455هـ. ناهيك عن نهج البلاغة للشريف الرضي عام 469هـ، وهي النسخة الأصلية وأقدم نسخة موجودة في العالم.