الوشاش:أزقّة تقاسي مرارات الماضي والحاضر

2٬112

عبد الجبار العتابي/

ما أن تضع قدمك في الوشاش، حتى تكتشف أنك في منطقة شعبية جداً، شارعها الرئيس وبعض أزقتها وسوقها الكبير هي التي توفر متعة النظر التي تجمّلها بساطة الناس وطيبتهم الواضحة. لكن كل المسرات غابت عن هذه المنطقة كما سواها من مناطق بغداد الشعبية، الفوضى تعمّ المكان، وأنت تستمع الى تراجيديا الحزن والتعب لدى مواطني المنطقة، إذ لا أماكن ترفيهية فيها مطلقاً، والشارع العام فيها مختنق، فالمنطقة متعبة ومهملة وتقاسي مرارات مختلفة ونواقص عديدة يتحدث عنها أبناؤها الذين يرسمون أمنياتهم بالأمل في أن ينتبه أحد إلى معاناتهم فيذللها لتعود (الوشاش) مشرقة بوجهها الشعبي الجميل.

الوشاش

تقع الوشاش غربي بغداد، وهي الآن تحمل اسم (رمضان!!). وحسب التصنيف الجديد لمحلات بغداد الذي وضعته أمانة بغداد فهي تحمل الرقم (819) وكانت قبل هذا الوقت تحمل اسم (حي المعرّي)، الذي اكتسبته نهاية السبعينات، لكن اسم الوشاش هو الأشهر والذي مازال الشائع والذائع. تحدّها من الشمال منطقة علي الصالح ومن الغرب امتداد شمالي لشارع 14 رمضان ومنطقة الإسكان ومن الجنوب المنصور (حي العربي) ومن الشرق البيجية (حي الأندلس) والبساتين التي تقف على طرف مطار المثنى، وقبلها كان يقع على هذا الطرف نهر الخر، او كما سمي لاحقاً (نهر الخير) أو كما يسمى عند العامة (شطيط) الذي يقال أنه كان نهراً كبيراً يعود تاريخه إلى العهد العباسي ويمتد الى منطقة الإسحاقي شمالاً، وأنه كان بعرض 20 مترا قبل الستينات ومن ثم تقلص ليصبح بعرض 5 أمتار في السبعينات، وبعد ذلك تم طمره نهائياً عام 2002 بعد أن جف الماء فيه وأصبح مجمعاً للفضلات والمياه الآسنة لتتحول بعض أمكنته الى ساحة ترابية بسيطة للعب كرة القدم.

يتحدث البعض من كبار السن أن المنطقة بدأ السكن فيها منذ ثلاثينات القرن العشرين، لكن العمران بدأ فيها منذ أواسط الخمسينات لاسيما في المنطقة القديمة التي ما زالت تحتفظ بذلك البناء القديم وطرازه وشوارعه الضيقة. يقال أن المنطقة سكنت بشكل أوسع بعد فيضان بغداد عام 1954 حيث تم إسكان العوائل المنكوبة جراء الفيضان في منطقة البيجية حالياً وكانت تسمى حتى نهاية الستينات بـ(المنكوبين).

أربع مناطق

تتكون المحلة من أربع مناطق هي: الوشاش القديمة، وتسمى بين الناس (العتيكة)، ومنطقة السوق (سوق مفتن)، ومفتن هذا يقال عنه أنه كان شخصية معروفة في الوشاش وكان (مفوضاً) في الشرطة في العهد الملكي، واتهم بالرجعية وأعدم في زمن البعثيين بداية السبعينات، ومنطقة الحكام وهي القطاع الذي يقع نهاية السوق ويطل على الشارع العام، وسميت بهذا الاسم لأن أغلب ساكنيه من (القضاة)، ومنطقة الوشاش الجديدة او منطقة حسين افندي، الذي يحكى عنه أنه كان أحد اقطاعيي العهد الملكي ويمتلك مناطق شاسعة تمتد من الوشاش إلى حي الجامعة، وكان يمتلك بيتاً كبيراً جداً مساحته تصل إلى 3 آلاف متر مربع في منطقة الوشاش قرب المستوصف، وأنشئت المحلة عام 1971، فيما يشتهر في المحلة العديد من الشوارع منها شارع (المعدان) الذي اشتهر بكون عوائله من (المعدان) ، وكان أفرادها يبيعون فيه (القيمر والروبة)، والشارع كان قبل ذلك في الخمسينات (إسطبل خيل) تم إلغاؤه مطلع السبعينات، وشارع الاتحاد الذي كان فيه مقر فرع الاتحاد العام لنساء العراق.

لكن أغلب البيوت في المدينة ليست حديثة بل تشعر أنها طاعنة في السن من خلال طراز تصميمها القديم ورائحة المكان التي تشبه روائح المناطق البغدادية القديمة ولكن لا شناشيل هنا ولا أبواب ولا شبابيك خشبية.

رأيان

هناك رأيان مختلفان في أصل تسمية (الوشاش) فهناك من يقول حسب (ويكيبيديا، الموسوعة الحرة) أنها سميت بالوشاش نسبة إلى عائله آل وشاش، وهم من أغنياء العراق وملّاك الأراضي التي تقع عليها الوشاش حاليا ومناطق عديدة أخرى في داخل العراق وخارجه إلى يومنا هذا. وأن اسم المنطقة اكتسب من جدهم السابع (وشاش الحويجة) الذي شق نهر الوشاش وكان مالك الأراضي حتى حديقة الزوراء التي كان يقام على أرضها (معسكر الوشاش) وأن التاريخ أعاد الاسم بفضل الحاج (وشاش إبراهيم) الّذي يعد من أغنياء العراق ومن ملّاك الأراضي ومعامل الطابوق والذي توفي سنة 1982.

والرأي الآخر الذي سمعته من بعض أهالي الوشاش أن التسمية جاءت من (شطيط) الذي كان الماء يجري فيه بشكل قوي، وكان عرضه حينها نحو 25 مترا حيث كان هناك جسر بسيط من أنابيب كبيرة يخترقها الماء الذي كان يحدث صوتاً قوياً على شكل (وشّة)، ومن هناك جاءت التسمية الشعبية التي تعود الى الأربعينات.

الشارع الرئيس

هذا الشارع، الذي لا اسم له، لوحده يحكي قصة المدينة التي يصفها البعض بـ (المخنوقة)، كونها حاليا لا تمتلك سوى مدخل واحد ومخرج واحد بسبب الظروف الأمنية وقد تعرضت الى العديد من العمليات الإرهابية، ولكون الشارع ظل يضج بالحياة على الدوام فهو مزدحم بالناس والسيارات و(الستوتات)، حتى أنه لا يصلح للتنزه ولا للفرجة.

في الشارع الرئيس الوحيد من أوله الى نهايته، تنشط حركة الناس على طرفي الشارع الذي غابت أرصفته لصغرها واستغلالها من أصحاب المحال التجارية، حيث تحول الى منطقة تجارية بحتة فيها من المطاعم والمقاهي والأفران والمهن الاخرى أعداد غير قليلة ،وأن كانت بعض المحال عتيقة إلا أن هناك من يحاول أن يجدد ويبذل جهدا لرسم أشكال الحداثة.

كان الشارع مؤثرا من الناحية الاجتماعية حيث أصبح ملتقى للأصدقاء لاسيما في المطاعم والمقاهي التي يصل عددها الى 25 مقهى، وأغلبها ما زال يحتفظ بـ (القنفات) القديمة وبشكل المقهى الكلاسيكي القديم وما زال جهاز التلفزيون يرتقي رفاً عالياً، و(استكانات) الشاي والحامض تتوزع على الجالسين بعد نداءات طريفة من الرواد، فيما كانت قطع الدومينو تحدث أصواتاً على المناضد والمتنافسون بها يتنابزون بالكلمات الظريفة، كما كان (ورق اللعب) حاضرا في بعضها ويتسلى به كبار السن حيث هم العلامة الفارقة في تلك المقاهي.

معاناة

في الوشاش.. تتوهج ذاكرة الناس بالتغييرات التي طرأت على المدينة، فبعض الأزقة وإن رصفت بالطابوق المقرنص إلا أن الساقية الصغيرة في وسطها تمتد الى الشارع العام فيما أغلب شوارعها ليست صالحة للمشي، ويشكو العديد من المواطنين الإهمال الذي تعاني منه المنطقة، فليست هنالك وسائل نقل سوى التاكسيات فلا (كيات) ولا (كوسترات) ولا مصلحة نقل الركاب (79 حي المعري- ساحة الشهداء) التي صاروا يشتاقون إليها، والأغلبية يضطرون للمشي لمسافات طويلة الى شارع 14 رمضان، كما اشتكوا إهمال المستوصف الصحي الذي تم هدمه على أمل بناء غيره ولكنه صار هيكلاً متروكاً منذ أكثر من سنة، وصار مأوى للقطط والكلاب ومكباً للنفايات، كما شكوا عدم وجود أي مكان ترفيهي، فلا حدائق ولا ألعاب ولا كافتريات حديثة وحتى المجاري لا تحتمل مياه الأمطار فيغرق الشارع العام وتصبح الأمطار وبالاً عليهم.