قصر شعشوع.. سكنه الملوك والزعماء منذ 150 عاماً

2٬721

عامر جليل إبراهيم/

لا مدينة في الشرق تداني بغداد بقصورها التاريخية الفارهة وبناياتها التراثية وتماثيلها ونصبها التذكارية التي بنيت بأيدٍ عراقية مبدعة.. كل هذه الشواخص تشعرك وكأن الزمن قد توقف عندها ويأبى مغادرتها.

فلبغداد شواهد وتحف فنية معمارية عظيمة معتّقة بنكهة الماضي القريب يقصدها القاصي والداني للتمتع بجمالها وعبق حضورها وزخارفها العراقية الفريدة.. ومن هذه الشواهد الكبيرة التي تركها لنا أجدادنا قصر شعشوع الذي بني العام 1906 على ضفاف نهر دجلة في منطقة الكسرة بجانب الرصافة.

قصة بناء

يروي سكان بغداد بشغف قصة بناء قصر شعشوع فيقولون: أن التاجر والثري اليهودي (شاؤول شعشوع) قرر أن يبتني له قصراً، وعندما أراد الشروع ببنائه العام 1906 قام باختيار أماكن عدة على نهر دجلة. وبناءً على فطنته ورجاحة عقله أقدم على ذبح مجموعة من الخراف ووزعها على ضفاف دجلة وتركها يوماً وليلة، وأراد بعمله هذا معرفة المنطقة الصالحة لبناء قصره من جميع النواحي الصحية والشمس الدائمة. وفي اليوم التالي تجول على أماكن التعليق وكان موقع قصر شعشوع هو الموقع الذي لم يصب التلف اللحم المعلق فيه فاختاره ليبني قصره فيه. أتم شاؤول إكمال هذا القصر عام 1908 في بغداد، وقدرت مساحة القصر ،قبل فيضان دجلة، بنحو أربعة آلاف متر مربع، ولكن بعد غرق القصر عام1927 تهدمت الأبنية المطلة على نهر دجلة وأصبحت مساحته ثلاثة آلاف متر مربع. وقد سكنه مالكه (شعشوع) بعد الانتهاء من بنائه الذي استمر لنحو عامين، ومازال القصر الى اليوم شامخاً يعانق نهر دجلة.

وبالرغم من أن مدة بناء القصر كانت قصيرة نسبياً، إلا أن أهالي بغداد اتخذوها مثلاً شائعاً (قابل دتبني قصر شعشوع).. تندرهم هذا ربما كان مرده فخامة القصر وسعة مساحته وغرفه المتعددة.

أصل التسمية

سمي القصر بـ (قصر شعشوع) نسبة الى مالكه التاجر اليهودي العراقي الشهير (شاؤول شعشوع يعقوب)، ويعود سبب شهرة هذا التاجر لأنه مالك القصر الذي أبهر البغداديين آنذاك بفخامته وروعة غرفة الفارهة، فضلا عن ثروته الطائلة وامتلاكه أراضي شاسعة خاصة على نهر دجلة. ومما يذكر أن أهالي بغداد كانوا يطلقون على البيت الكبير ذي الواجهة الفخمة، والذي يطل على نهر دجلة مباشرة تسمية قصر. بينما إذا كان البيت داخل المدينة ومهما بلغت فخامته فإنه لا يسمى قصراً، إنما يطلق عليه ( بيت درياهي) أو (بيت تندق له النوبة) أي سلام الأمراء إظهاراً للاحترام.

تحفة تعاند الزمن

لأول مرة في بغداد كان قد استخدم (الطابوق الآجر والسمنت والشيلمان) في بناء قصر شعشوع، حيث كان قبل ذلك يستخدم في بناء البيوت البغدادية القديمة، الطابوق المصنوع من الطين أو مايسمى (اللبن). وبرغم مضي (105) أعوام على بنائه في منتصف العقد الأول من القرن الماضي، لكن قصر شعشوع مازال شامخاً بفخامته ورونقه وغرفه الكبيرة، المرتفعة سقوفها، والمحاطة بالشبابيك من كل جوانبها، فضلاً عن بالكوناتها وشرفها، وشناشيلها العلوية المتكئة على الأعمدة الدائرية، ورسومه الهندسية المتناسقة في التصميم على غرار الطراز البغدادي القديم. ولو تبحرت في تصاميمه الهندسية وروعة عمارته وزخرفة سقوفه ذات النقوش المميزة، فإن شعوراً يعتريك بأنك إزاء تحفة فنية عاندت الزمن رغم شيخوختها. وما يزيد جمال القصر حديقتاه اللتان تسوران محيطه بأزهارهما الجميلة وأشجارهما المنسقة الخضراء.

الملك وقصر شعشوع

عند تتويج فيصل الأول ملكاً على العراق عام 1921 استأجرت وزارة الداخلية آنذاك قصر شعشوع ليكون سكناً ومقراً له. فلم يكن قد بنى داراً له حين وصوله العراق، وسكن الملك فيه مع عائلته حتى التاسع من نيسان العام 1926، وبعد الفيضان المعروف بـ (حادثة الكسرة) الشهيرة والتي تعرض فيها القصر للغرق، انتقل الملك إلى دار يهودي آخر هو التاجر والنائب في مجلس الأعيان السابق (مناحيم دانيال), على ضفة نهر دجلة اليسرى في منطقة السنك. ومما يذكر ان ملك العراق فيصل الأول بقي فترة طويلة لا يمتلك قصراً للحكم حتى عام 1933 حتى قرر مجلس الوزراء إنشاء قصر للملك على الرغم من مرور اثني عشر عاماً على تولّيه عرش العراق.

رؤساء وزعماء سكنوا القصر

سكنت قصر شعشوع شخصيات مهمة من الملوك والزعماء والرؤساء، وكان أول من سكن القصر مالكه الأول شاؤول شعشوع وهو الذي تولى بناءه، سكن فيه لعامين، ليستضيف القصر بعده ملك العراق الأول فيصل. ثم شغلته الحكومة والبلاط الملكي خلال وزارة ناجي السويدي. بعدئذ انتقلت اليه (فرحة شعشوع) شقيقة شاؤول لتسكن فيه. ثم شغله بعدها الشخصية العراقية المعروفة والزعيم الوطني جعفر أبو التمن إبان توليه وزارة المالية العام 1934 حتى العالم 1942.

وقيل انه استأجره بـ 150 ديناراً سنوياً ليشغله بعده النائب صبيح نجيب حتى العام 1945، ثم سكن القصر بعده ابراهيم الجيبه جي صهر وزير الدفاع شاكر الوادي ثم بعدها شغله المحامي النائب صبيح نجيب (1946-1952) .. وفي العام 1952 اشترى القصر أحد تجار بغداد بمبلغ خمسة آلاف دينار عراقي وسكن فيه وعائلته حتى يومنا هذا.