عندما يبحثون عن شمّاعة للفشل.. مــــدرب للمنتخب في كل فصل!

254

علاء سرحان /

إذا صحت الأخبار التي تتحدث عن نية اتحاد كرة القدم التعاقد مع مدرب جديد للمنتخب الوطني مع نهاية التصفيات الآسيوية المؤهلة لمونديال قطر 2022، بغض النظر عن النتيجة النهائية للمشاركة العراقية، فهذا يعني أن أربعة مدربين تعاقبوا على تدريب المنتخب في غضون أقل من عام، وبمعدل مدرب في كل فصل من فصول السنة!!، وهذا أمر غير معقول!!
فكيف للمدرب، مهما كان مستواه او إنجازاته او خبرته، أن يتعرف على لاعبيه ومهاراتهم والتباين بين لياقتهم البدنية وأسلوبهم الذي انتهجوه طوال الفترة الماضية، وماهي الوظائف والواجبات التي يقومون بها في فرقهم المحلية، وكيف يعرف مستوى المنافسة في الدوري (ولاسيما اذا كان مدرباً أجنبياً)، وكيف له أن يجد ما يناسب إمكانيات لاعبيه من أفكار وخطط تسمح لهم بإظهار كامل قدراتهم من دون أن تتاح له المدة الكافية.
وقد علمتنا كرة القدم أن اسم المدرب ليس هو الأهم في سلّم الأولويات. فسواء أكان المدرب محلياً أم أجنبياً، فإن من أهم احتياجاته الشعور بالأمان والاطمئنان على وظيفته وتوفير الأجواء التي تمنحه الاستقرار الذهني، الذي يترتب عليه بالضرورة الاستقرار الفني، وهو أهم ركيزة من ركائز بناء الفريق وتحقيق الإنجازات.
ولنا في تاريخ الدول والمنتخبات العالمية التي تسبقنا في هذا المجال أمثلة ناصعة وناجعة.
ملف المدرب
فعندما نغوص في تاريخ اتحاد كرة القدم الألماني ونبحث عن كيفية تعامله مع ملف مدرب المانشافت، نجد أنه امتاز بإعطاء كامل الثقة والدعم والوقت لمدرب المنتخب حتى مع وجود بعض الاخفاقات، فخلال 112 عاماً مرت من عمر كرة القدم في هذه الدولة العريقة كروياً، اعتمدت ألمانيا على 11مدرباً فقط آخرهم (يواخيم لوف) الذي استمرت فترة ولايته من عام 2006‪ حتى العام 2021. ‬‬
ويكفي أن تعرف أن ألمانيا تأهلت إلى كاس العالم ثماني مرات، وفازت بالبطولة في أربع مناسبات، وأحرزت بطولة أمم أوروبا ثلاث مرات، وكان آخر لقب لها في كاس القارات عام 2017. وهذا يبين لنا مدى أهمية استقرار الجهاز الفني لأي فريق في رياضة كرة القدم
كما يمكن أن نأخذ المدرب الأورغوياني الشهير (أوسكار واشنطن تباريز) كمثال حي على ضرورة إعطاء الفرص الكافية للمدرب، ولاسيما عندما يكون في مهمة وطنية، فهذا الرجل الذي يقود الأورغواي منذ عام 2006 ‪ استمر مع المنتخب حتى العام المنصرم، رغم أنه يعاني من مشاكل صحية عدة، ليس أقلها عدم قدرته على السير إلا بمساعدة عكازين يعتمد عليهما حتى أثناء المباريات الرسمية، وقد بلغ الرابعة والسبعين من العمر. ‬‬
وعندما نفتش عن تجارب مشابهة لتجربتي ألمانيا والأورغواي في محيطنا الإقليمي، فإن اتحاد الكرة الإيراني أبقى على المدرب البرتغالي كارلوس كيروش بمنصب المدير الفني للمنتخب لقرابة ثمانية ‪ أعوام، وبقي متمسكاً به حتى طلب هو بنفسه أن يرحل ليتسلم مباشرة مهمة تدريب منتخب كولومبيا وبعدها إيران ثم الى قيادة الفراعنة.‬‬
وعلى هذا الأساس، فإن النجاح في كرة القدم يتطلب استقراراً، وقبل كل ذلك تخطيطاً يكون تحت إشراف مجموعة متمرسة معروفة بحنكتها وخبرتها وإخلاصها في هذا المجال.
وليس عيبا أن نستنسخ التجارب الناجحة لمن سبقونا، وكان لهم قصب السبق في عالم كرة القدم.
عالم الاحتراف
كرة القدم العراقية بحاجة إلى تخطيط سليم يضع الاستقرار عنواناً للمرحلة المقبلة، فليس هناك نجاح يأتي بالصدفة، ولاسيما في عالم الاحتراف، الذي من المفروض أنه دخل للكرة العراقية منذ أكثر من عقد من الزمن، كما أن اتحاد الكرة بحاجة الى أن يعرف سقف طموحاته ومناقشة ذلك وتجديده كل أربع سنوات، فدعونا نضع الخطط الكفيلة بوصولنا الى كاس العالم 2026 من الآن، وهذا يتطلب دوري محترفين من 16 او 14 فريقاً ودوري فئات عمرية يتسم بالانضباط واستقطاب مدربين لهم الخبرة في مجال الناشئين، كما أن على اتحاد كرة القدم أن يفرض قواعد للتعاقد مع اللاعبين المحترفين في الدوري المحلي بحيث لا يسمح للأندية بانتداب لاعبين يقل ترتيب منتخباتهم عن ترتيب منتخبنا الوطني في التصنيف العالمي، وذلك لضمان الجودة ودفع المنافسة في الدوري الى مستوى أعلى، وهو ما يصب في مصلحة المنتخبات الوطنية العراقية.
مثل هذه الأفكار يمكن أن تساعد في وضع ستراتيجية معقولة لعمل الاتحاد في الأعوام الأربعة المقبلة وتجهيز الأرضية القوية لتأهل منتخب أسود الرافدين إلى كاس العالم.. وتحقيق حلم الجماهير التي ترنو اليه منذ عام 1986.