سرى الخفاجي لـ”الشبكة”: صرخة ألواني تحاكي وجَعي

1٬112

آمنة عبد النبي/

إنها سرى الخفاجي، الفنانة التشكيلية الشابة، وعضوة جمعية الفنانين التشكيليين، زوجة الفنان المرهف نؤاس جواد أموري، وريث الحنجرة السبعينيّة النادرة، لراهب اللحن الشجيّ الفنان الراحل محمد جواد أموري.

مُحاكاةٌ وتشظٍّ

سألتها عن كيفية ترميم الفنان داخل ذاته وطناً خاصاً به على شكل لوحة معلّقة بمرآة ذاته، يمسحها بقطنَة من الحنان كي لاتمرض، وكلما أراد الخروج لمكان غريب، جلس يحدثها عن وطنه الذي قُدّر له أن ينمو وسط النار والحروب التي أكلت أبناءه. كيف يمكن، ياترى، أن يتم توثيق كل هذا بقطعة تشكيلية دون أن تتشظّى الألوان، ودون أن تغطي بجوابها ابتسامة مخنوقة داخل لوحات جسّدت هرمونية بلادها المعبأة بالمآسي، فاللوحة في نظرها مجموعة أحاسيس تترجمها صرخات الألوان التشكيلية، وحتماً فإن لكل فنان أسلوبه في محاكاة الوجع واستنطاق الجمال القابع خلف ملامح الدهشة، لذلك تجدها مصرّة على توظيف فرشاتها الوردية والمغمّسة بألوان التفاؤل كونها مؤمنة تماماً بأن بلادها تنهض في كلِ مرةٍ من المآسي مثل فرسٍ حرّة لاترتضي لأبنائها حاكميّة الظلام.

ثنائية الأضداد

لمعة المدن وإرغام بريقها على الحضور العمراني هرمونياً، تكاد تكون علامة مميزة للنظرِ في لوحاتها من خلال هرمونيّة الألوان البرّاقة، وقد تحيل ناظرها لتساؤلين: أهو نوع من تحدي الظلام وفتح نافذة في الروح لهواء نقيّ، أم أنها محاولة للخروج عن مألوفيّة السوداوية التي تلفّ كل شيء، علماً أنها لم تكن متعمدة لهذا المزيج اللوني المنفرد بقدر ماكان الهدف ترجمة لإنسانيتها المحبّة لتآلف المتعاكسات والمختلفات بثنائية الأضداد، لأن أعمالها كأولادها مهما تنافرت المشتركات بينهم فأبعدهم هو الأقرب، لاشعورياً، للقلب.

صنميّةٌ وحضارة

المرأة رسالة فنية مقدسة وعنوان جدلي كبير. لذلك كانت حريصة على تضمينها داخل اللوحة لأنها بالأساس داخل شرقنا الذي، منذ زمن ليس بالبعيد، كان فيه من الصعب على الإنسان أن يرى امرأة في الصدارة. لكن مع وجود الانتشار الثقافي والتواصل الاجتماعي الناقل لكل سكناتها وصرخاتها الأنثوية الحيّة، بدأت عقلية الشعوب العربية تنساق، ربما مرغمة، او تتجه لاشعورياً نحو تقبّل فكرة الصدارة المهنيّة للسيدات بعد أن كانت مخلوقاً هجيناً ولايعوّل عليه في كثير من المناصب، لذلك تجدها تصرّ في لوحاتها على أن الحمامة المكبّلة بالقيود داخل لوحاتها قادرة على تحطيم صنمية المجتمع بالألوان لأن الألوان التي لاتؤنث لايعول عليها، وهكذا فإن المرأة هي السموّ المبدئي للحياة، علما أن المجال الفني بجزئه التشكيلي هو النسغ الذي ارتوت منه جميع الحضارات القديمة، بدلالة الرسومات والرموز التأريخية والتعابير الجسدية المنحوتة بجدران الكهوف العتيقة.

ثيمةٌ وتحدٍّ

انفرادها بثنائية الوجع النبيل داخل اللوحات، يعطي انطباعاً بأن الفنان التشكيلي من أكثر الكائنات تحسساً لتفاصيل اللوحة ونبضاتها الموجعة بتركيز ومن ثم يخفيها كمداً وكأن الثيمة الخفية هي سقاية وردة مقدسة على حافّة الذبول، باعتبار أن لكل فنان ثيمة روحية خاصة تسكن لاشعوره، لذلك تجد أن الترجمة اللونية لمشاعره هي نتاج الأحاسيس الممزقة من طعنات الحروب والتهجير والانكسارات.

مثّلت العراق بفرشاتها العصيّة على الموت في معارض فنية قيّمة داخل العراق وخارجه، فكان معرضها الشخصي الأول بعنوان”إحكي ياشهرزاد” عام 2016، أما معرضها الشخصي الثاني فقد كان بعنوان”بنات حواء” عام 2017، إضافة الى معرض عشتار للشباب ومعرض دائم في السليمانية في غاليه الدكتور عبد اللطيف رشيد، ومعرض دائم في ميديا غاليري في أربيل، وقد تم تكريمها في محافل دولية وأوروبية عديدة، وماتزال مقتنايتها التشكيلية تزيّن جداريات الكاليريهات في بغداد والسليمانية، وكذلك في المملكة الأردنية الهاشمية وفي الولايات المتحدة الأميركية.