قراءة في المعتقدات الشعبية عبر العالم

632

باسم عبد الحميد حمودي /

مثلما يختلف البشر في السحنة والطول والقصر واللغات يختلفون أيضاً في معتقداتهم الشعبية المتوارثة الآتية من أنساق اعتقادية متوارثة قد لا تستند الى (حقيقة) علمية.
إن عدم وجود حقيقة علمية لذلك المعتقد يجعله ضمن خرافات الشعوب المتداولة التي لا يدعمها دليل ولكن تلك المجموعة من البشر(تؤمن ) بها قبولا أو رفضا.
حديث خرافة يا أم عمرو
نحن نتداول فيما بيننا كلمة(خرافة) أو (خرافات) بصيغ الجمع للحديث عن القول أو المعتقد غير الحقيقي وقد جاءت لدينا كلمة (خرافة) من المتداول في التراث أن رجلاً من بني عذرة أمه (خرافة) كان يسير وحيداً في الصحراء، فاختطفه أربعة من الجن، وحاصروه واختلفوا في أمره قتلاً أو استعباداً لكنه نطق باسم الله الكريم فتحولوا الى استضافته في مجتمعهم لفترة، ثم أطلقوا سراحه فعاد الى أم القرى؛ مكة، وهو يروي عن الجن وطباعهم وعاداتهم الطريف المستملح، غير الصحيح، والناس يتندرون!
في قرى الجن
أفاد الروائي العراقي الراحل جعفر الخليلي من هذه المتوالية الشعبية فكتب روايته المهمة (في قرى الجن) عام 1948 إذ أفاد من المعتقد الشعبي القائم على استحضار الجان والأرواح وذك بقراءة الأوراد والتعازيم ليلياً مدة أربعين ليلة ليأتي (الجني) المكلف و(يختطف) صاحب الأوراد والأدعية معه أو يكون له عبداً يطيعه فيما أراد.
الرواية الخليلية لا تبدأ هكذا بل بحفل كبير يقيمه والد (طاهر الساعي) محتفياً بزواج ولده وسط الغناء والرقص، وما إن يكاد الحفل ينتهي، حتى تقوم الرعود والبروق ويزداد مكان العرس ضجة وظلمة تنتهي بهدوء غريب وتنار الغرفة مرة أخرى وقد اختفى العريس من غرفته، إذ اختطف الجان طاهراً الساعي وتركوا عروسه ووالده حائرين، والظاهر أن الساعي الشاب كان جميلاً لكن الجان لم يختطفوه لجماله بل لأسباب أخرى.
سعى الوالد المكلوم الى هذا وذاك للبحث في كيفية استعادة ولده من الجان فلم يوفق حتى سَهِر صديقه الشاب (كريم الغرباوي) أربعين ليلة مع قراءة القرآن الكريم والأدعية حتى الصباح…ليأتي من الجان من يصحبه الى مكان الساعي حيث يترافقان ويشاهدان أعراف الجان وتقاليدهم ووعيهم العلمي.
يعيد الجان طاهراً وصديقه وقد اختلف عليهما الزمان والمكان والعادات والتقاليد فقد عاشا هناك مجتمعاً سعيداً متكاملاً لا أثر للأنانية فيه ولا تفرد في القرار.
كانت رواية (في قرى الجن) قد أفادت من (معتقدات) التعزيم وقراءة الأوراد والآيات الكريمة للوصول المفترض الى دار الجن وقراهم، وبهذا استغل الخليلي المعتقد الشعبي لصياغة رواية انتقادية لمجتمع الإنس السابق والحالي.
النجوم
ليست كل المعتقدات الشعبية في العالم متشابهة، ففي الجزائر يعتقد الناس أن النجوم في السماء ما هي إلا أحلام بشر، إذا سقطت نجمة (اسمها العلمي شهاب أو نيزك) من السماء تحقق حلم واحد من البشر!
ويعتقد الجزائريون أن الابتسامة التي يرسمها الفرد على شفاه ثلاثة من البشر ستجلب له السعادة في نهاية الأسبوع.
أبازاكي اليابانية
أبازاكي بايا هو اسم أسطورة يابانية تقول إنه بعد الحرب العالمية الثانية التي أسفرت عن هزيمة اليابان وألمانيا مقابل دول الحلفاء ظهرت السيدة (أبازاكي بايا) في شوارع المدن لتدق الباب عند منتصف الليل، فإذا ظهر الرجل اليها وجدها امرأة ملطخة بالدم وتطلب شراب الساكي، فإن امتنع الرجل قتلته وإلا أخذت الشراب وذهبت.
الأمزاد.. خاصة بالنساء
ومن معتقداتهم في موريتانيا، أن العزف على آلة الأمزاد الوترية يعد مقصوراً على النساء، فاذا أراد الرجل العزف عليها منعوه، لكن الرجل لا يقترب من هذه الالة، لأنها تجلب الشؤم له ولعياله!
جنية حسين النمنم باليابان
في معتقدات اليابانيين أيضاً تعيش قرب المياه السيدة (نوري أدنا) ويتألف جسمها من رأس امرأة وجسم ثعباني عريض ولديها شعر طويل وأنياب تبرزها للقتل إذا دعت أحداً اليها ولم يستجب، أو إذا أزعجها أحد منتصف الليل عند نومها!
هذه النوري أدنا تذكرنا بحكاية حسين النمنم الصياد التكريتي الذي اختطفته سعلاة الشط وأخذته الى وكرها بين الكهوف لسنوات وصارت زوجته بالإكراه.
تقول أسطورة حسين النمنم والسعلاة إن الزوجة الفَظّة كانت تلحس ساقيه كل يوم فتضعفان، ولا يستطيع المشي أو السباحة للفرار منها.
أنجبت السعلاة من النمنم أربعة أولاد، ويبدو أنها سهت عنه فترة، فاستطاع الهرب منها عائداً الى أهله وهي تتابعه مهددة بقتل أولاده إذا لم يعد.
رفض حسين النمنم زواج الأكراه هذا فقامت السعلاة بقتل أولادهما وأحداً بعد آخر، وظلت اسطورة السعلاة والنمنم قائمة، ولا أحد يعرف الحقيقة حتى يومنا هذا.
أحفاد حسين النمنم من البشر يروون ما يعتقدون أنه جرى لجدهم والناس بين مصدق ومكذب.
من معتقدات ماليزيا الشعبية
الناس في ماليزيا وسواها يتشاءمون من الرقم (13) وكذلك في ألمانيا وأمريكا لكنهم في اليابان يخافون الرقم (4) ويجدونه مرادفاً لكلمة (موت) لذلك فهم لا يلفظونه ولا يضعونه رقماً للغرف والمساكن، تماماً مثل رقم (3) عند سواهم.
ومن معتقدات ماليزيا، التي يشاركهم العراقيون فيها، عدم الجلوس على وسادة النوم لأن ذلك يسبب وجع الرأس، وظهور البثور في الجسم!
ومن معتقداتهم أن تناول أول اثنتي عشرة حبة من العنب عند ظهوره وقطافه في منتصف رأس السنة يجعل المرء سعيداً.
الأكتاف ..أجنحة!
ومن معتقدات الناس في الملايو أن عظام كتف الإنسان لها أجنحة كان البشر يطيرون بواسطتها مثلما يطير الطير، ثم حلت لعنة على البشر وضعفت عظام الكتف وذهب ريشها فعاد الإنسان يمشي ويركض!
في أمريكا
يحذر سكان كندا والولايات المتحدة من أن يدوس المرء شقاً في الأرض، فذلك في معتقدهم سيكسر ظهر أم أقرب طفل عندهم.
معتقدات متشابهة أخرى
للشعوب معتقداتها المتوارثة التي لا تتعلق بشعب واحد ومنها أن ظهور البدر كاملاً يؤثر خيراً أو شراً في إيقاع عمل الإنسان على وفق نيته.
وإذا تناول الطفل السكر فذلك يزيد نشاطه الحيوي وصخبه عند الاجتماع في الأعياد والمناسبات، ولا شك أن أمر حيوية الطفل ساعتها لا يسببه تناول السكر، بل حيوية الجمع وصخبهم.
كثرة الضحك
أخيراً نقول إن هناك معتقداً لدى كثير من الشعوب مفاده أن كثرة الضحك والسرور المفاجئ في جلسة ما قد تسبب بعد ذلك كدراً أو حزناً للضاحكين، ولذلك فهم يتحاشون الضحك المستمر ويخشون نتائجه!
وبعد
هذه نماذج من المعتقدات الشعبية المتعددة بين شعوب من هنا وهناك، لها جذورها الكثيرة التي تحتاج للتحليل والمقارنة والاستمتاع.