الملاكُ النيجيري
جمعة اللامي /
“الفضيلة لا تأتي من المال، المال يأتي من الفضيلة”
(سقراط)
كلنا نعرف المال ونحبّ المال. وكل واحد من بني البشر على سطح هذا الكوكب عنده قصة مع المال، ومآسي كوكبنا سببها المال، من حيث احتكاره من قبل شخص أو طبقة. ومن أجل الحصول على المال قامت الحروب ونشبت النزاعات. والمال أحد أسباب الدعوات الاجتماعية الإنسانية، ولا يخلو أي دين من ستراتيجية لتوزيع المال بين الناس.
وبسبب سوء توزيع الثروة بين الناس يزداد عدد المرضى، حتى في أغنى البلدان مثل أميركا. بل المفارقة المشخصة أن الفقراء يكثرون في بلدان ذات ثروة نفطية هائلة، مثل العراق ونيجيريا. ولكن دعونا من العراق، وخلونا نذهب إلى نيجيريا، لنتحدث في شأن “الملاك النيجيري” الذي بات حديث الراجلين والركبان في بلاده.
تقف سيارة “مرسيدس” فارهة جداً، عند بوابة مشفى نيجيري في وقت من الصباح، فيهرع أفراد من الاختصاصيين نحو قائد السيارة، الشاب الأسود، الذي يعرفه موظفو المستشفيات باسم “الملاك السري” ويقوده مجموعة منهم إلى قسم الحسابات بالمستشفى.
في هذا القسم يتابع “الملاك السري” والذي يحمل اسم “زيل اكرا يو آي” قائمة بأسماء مرضى لا يستطيعون دفع أجور علاجهم، وبينهم مرضى في حالة ميئوس منها، أحدهم لا يقدر على تأمين 250 دولاراً فقط، وآخر تربو تكلفة علاجه على 400 دولار. ومع ذلك لا يتردد “زيل” الذي يتجاوز السنوات الأربعين من عمره، في دفع أجور استشفاء أشخاص آخرين، بأثمان أدنى من 300 دولار على سبيل المثال.
بات أصحاب المستشفيات النيجيريون يعرفون هذا الشاب، أما المرضى فبعضهم يعرفه، لكن بعد أن لم يفت الأوان. فهو يزور المستشفى، ثم يعكف على معرفة نوع مرض المريض، والثمن المطلوب للعلاج، ويدفع ثمن العلاج، ثم يغادر المشفى، لكنه يقول “بدون وجود التأمين الصحي لا نستطيع مقاومة المرض.”
في بلد ، غير العراق (!) ، يكثر “سراق” المال العام و”تجار” السياسة والدين. وفي بلد غير”بلاد السواد” (!) ، لا تجد أمثال “الملاك زيل” ، بل ان “الملاك زيل” متوفر في العراق كثيراً. بل كثيراً جدا (!)ً.