
ملعقة من العسل
نرمين المفتي /
تعلمنا من درس العلوم في الابتدائية أن النحلة تعيش، في المتوسط، 40 يومًا، تزور خلالها أكثر من 1000 زهرة، لتنتج ملعقة صغيرة من العسل.. ملعقة صغيرة تروي قصة حياتها كلها.
في عالم الطبيعة، قد يتشابه الزنبور والنحلة في الشكل، لكنهما يختلفان جذريًا في السلوك والقيمة. تعمل النحلة بلا كلل لتُنتج العسل، وتلسع فقط دفاعًا عن نفسها، ثم تموت، ليس فقط لأنها تترك بعضًا من أحشائها في جرح الملسوع، إنما كأنها تشعره بندمها، علمًا بأن النحلة لا تلسع إلا حين تشعر بالخوف، أو حين تُهاجَم خليتها. أما الزنبور فيلسع بدون سبب، ويعاود الكرة إذا لم يُقتل، وكأنّ لسعته تحذير أو تهديد بأنه يأخذ ما يريد ولا يعطي شيئًا. والنحلة تقدم العسل هدية، بينما الزنبور يقدم السم وجرحًا مؤلمًا جدًا.
الفرق بين النحلة والزنبور هو الفرق نفسه بين شخصين، أحدهما نزيه مفعم بحب الناس، والآخر فاسد يسرق المال العام، تاركًا فقراء بلده بلا حتى رغيف خبز واحد أحيانًا، متسببًا بإفراغ خزينة البلد وإغراقه بديون داخلية وخارجية، ولا يشعر بأي ندم، ولا يتوقف عن جريمته، إنما يبحث عن المزيد من السحت الحرام ولا يرى في بلده سوى (قاصة) أموال مستباحة.
وكما أسلفت، فالنحلة لا تلسع إلا إذا شعرت بخطر، بينما الزنبور عدواني بطبعه، وهكذا الفاسدون، لا يحتاجون إلى سببٍ ليُدمّروا، ففسادهم غريزة، لا رد فعل. وإن كان النزيه شجرة مثمرة تمنح ثمارها لمن يرميها بحجارة، فإن الفاسد شجرة غير مثمرة، تمنح ظلها للثعابين. نتساءل غالبًا عن كيفية التعامل مع (زنابير) الفساد؟ وبكل أسف نقول إن كنا نتردد بالتعامل معهم، إلا مرغمين، فإن هناك من يرى في الفساد (شطارة) أو (ذكاء) وليس جريمة. ولو كانت النحلة تتسامح مع الزنبور، أو مع من يهاجم خليتها، لما وُجد العسل أبدًا. لهذا، فإن المطلوب ليس كشف الفساد فحسب، بل اقتلاعه من جذوره.
تفرض علينا الحياة اختيارًا، في أن نكون إما نحلًا نصنع العسل، أو زنابير ننشر الألم. الفاسدون يختارون طريق الزنابير، لأنهم يرون الوطن غنيمة، في الوقت الذي يبني فيه النزيه لبنةً لبنة، حتى لو كلفه الأمر حياته. ولنتذكر أن الفرق بين النحلة والزنبور ليس في الشكل والتصرف فقط، بل في ما يتركه كلاهما خلفه، فالنحلة تترك عسلًا يُشفِي، والزنبور يترك لسعةً تُدمِي. فلنختر أن نكون نحلًا في زمن الزنابير هذا، ولنترك خلفنا.. وإن ملعقة من العسل.