فَوّاد الشَمعَة
جمعة اللامي /
“”تُهلِكُ الشَمعةُ نفسَها، ليستَضيءَ سواها”
(مثال عالمي شائع)
أكتب اليوم في شأن فوّاد الشمعة، كما عرفه الناس اسماً ورسماً، قبل الواقعة الشهيرة، عند بستان “بيت الزبير” بمحلة الماجدية، في مدينة العمارة بعد سنة 1956. وربما يعرف غيري اسمه في سجل الأحوال المدنية بمدينتنا. أما اسمه الذي سجلته في هذه السانحة، فهو من اختراعي، حتى يعرف القرّاء ، أن الكاتب الذي يعرف حقوقه وواجباته، يقدر أن “يصنع حياة إنسان على الورق”، وتبقى جذوره عميقة في بيئته الواقعية.
لم يعبر فوّاد العقد الثاني من عمره في تلك الأيام. كان أسمر اللون، ربعة، ذا صوت جهوري عندما يغني عن الفراق والغربة والناس التعبانين. لكنَّ صوته يبدو هامساً حين يلاقيك في “شارع بغداد” الشهير، فيحدثك عن آخر فيلم أميركي أو مصري في صالة “سينما الحمراء”. وكان طلاب المدارس يجدون فيه عوناً لهم في أمور كثيرة، وغالباً ما كنا نشاهده يساعد عجائز من الرجال والنساء، فيقودهم عبر “شارع بغداد” إلى حيث “السوق الكبير”. وهكذا احتاز فوّاد لقب “صديق الفقراء”. لكنَّ هذا اللقب جلب له المتاعب شيئاً فشيئاً، لاسيما حينما خرجت مدينة العمارة عن بكرة أبيها، تؤيد الشعب المصري في وجه “العدوان الثلاثي” في سنة 1956، وكان فوّاد في مقدمة المتظاهرين، ثم تمّ نفيه بعد ذلك الى بيداء “بدرة وجصّان” بين الكوت والعمارة.
بعد تلك الأيام المعروفة في مدينتنا، أخذ فوّاد الشمعة “يُنشد” بأُسلوب المنبر الحسيني، شعراً لم تعرفه مدينتنا من قبل، كان ينشد أناشيد السدناء السياسيين في جميع أنحاء العالم. وذات يوم تجمّع ناس كثيرون في بستان “بيت الزبير” تضامناً مع سجناء سجن “نقرة السلمان” من أبناء المدينة، وسمع الناس صوت فوّاد ينشد: “يا أميّ لا تبكي عليّ ، أنا المناضل يا هنيّه !!”
وبعد هذه الأغنية اختفى أي أثر للمنشد فوّاد الشمعة. ولكن في زيارتي الأُولى لمدينة العمارة في سنة 2011، سمعت أحد عجائز محلة الماجدية يسرُّ في أُذني “صاحبك ابو شمعة ما مات، إحنه نشوف خياله بكل حفلة عرس بولايتنه!!”