الشاب الأنيق!

888

حسن العاني/

بعضهم يشعر بالحرج، أنا لا ينتابني مثل هذا الشعور، لأن أصدقائي يصفونني في العلن، بأنني رجل (يمشي جنب الحائط)، أما في السر فينعتونني بالرجل (الجبان)، ولا أجد في هذا التوصيف ما يغضبني، لأنه يمثل الحقيقة، ولكنني أحاول تجميل صورتي فأقول، أنا من النوع الذي يسد الباب الذي تأتي منه الريح، بمعنى، إنني انسان (مستور)، يرفع راية السلم والسلام، دائماً، ويدير خدّه الأيسر لمن صفعه على خده الأيمن!!
وأنا على هذه الحالة، فوجئت ذات مرة تعود الى منتصف العقد التسعيني من القرن الماضي، بشاب تسبقه أناقته وعطره المستورد، وقدّم نفسه بمنتهى اللطف، ثم جلس من دون استئذان، فطلب له خوفي فنجان قهوةٍ، وراح يحدثني عن إعجابه الكبير بمقالاتي، ثم أخبرني بلغةٍ بدت طبيعية جداً، إنه كان في زيارة شخصية لمدير الأمن العام بحكم الصداقة الوطيدة التي تربطهما، وصادف وجود عدد من المسؤولين في غرفته، في مقدمتهم وزير الداخلية، وقد جرى الحديث مصادفة عن الاعلام، فقال وزير الداخلية ما معناه، إن حسن العاني يتطاول على الحكومة ولابد من تأديبه، غير إنني نقلت لهم صورة مغايرة عنك، وأوضحت لهم، إنك على المستوى الانساني رجل نبيل، وعلى المستوى المهني واحد من أعظم الكفاءات الاعلامية في العراق، وبذلك خرجوا بانطباع جميل حولك!!
حين فرغ من كلامه، طلب له رعبي قدح برتقال طازج، ثم نهض وصافحني واستأذن بالانصراف، لانه على موعد مع مدير المخابرات، ابتعد خطوتين، وعاد مبتسماً (مشاغلي كادت تنسيني إعطاءك هذه المقالة التي تتناول رؤية الرفيق القائد التربوية)، فشكرته لأنه شرفني بالكتابة.. والحق فان المقالة لم تكن لها علاقة بالصحافة من قريب أو بعيد، ما عدا إن صاحبها أنقذني من مخاطر (التأديب)، وهكذا توليت صياغتها وتوسطت لنشرها، ولم يتوقف الشاب الأنيق عن زيارتي، وفي كل مرة يخبرني إنه جنّبني من فلان الغاضب أو الزعلان ومع كل خبر مقالة أتولى صياغتها من هامة الرأس إلى أخمص القدم!!
لعله أيلول عام 2003، سقط النظام، وتغيرت أشياء كثيرة، إلا الشاب لم يتوقف عن زياراته، بعد أن تحوّل شاربه الغليظ الى حليق، وتحوّلت لحيته الحليقة الى كثّةٍ طويلة، وبعد مصافحة حارة وعناق طويل وتهنئة بتحرير البلد من صدام، أخبرني إن أعضاء مجلس الحكم مستاؤون من كتاباتي، لولا إنه غيّر وجهة نظرهم، وسلمني كالعادة مقالة حول (آفاق الديمقراطية) توليتُ….. ونشرتها.. وتواصلت زياراته ومقالاته و.. و لرب سائل يسأل: ما الذي يجعلك تخشى من رجل كذاب؟! أعتقد إن التجربة العراقية تفيد بأن البلد لم يمسسه الأذى الا من الكذابين منذ 95 سنة!!