فنانون وإعلاميون وشعراء يبحثون عن (الطشَّة) في العالم الافتراضي

909

محسن ابراهيم /

(الطشّة)، مصطلح جديد برز في الساحة الفنية والإعلامية والثقافية مؤخراً, حيث نجد التهافت من قبل إعلاميين وفنانين وشعراء للبحث عن (الطشّة) من خلال نشر مواضيع تثير الجدل في أوساط مواقع التواصل الاجتماعي.
الوصفة السحرية هذه الأيام للـ( طشّة) هي التطبيق العملي للمبدأ القائل (خالف تعرف)، فكل ما عليك فعله هو أن تكتب تدوينة ما تهاجم فيها ثوابت وعقائد الأديان وعادات وتقاليد المجتمع الذي تعيش فيه, أو أن تهاجم شخصية معروفة. وليس بالضرورة، عندما يكتب أحدهم تدوينة ما ويلقى آلاف الإعجابات، أن يكون كلامه صادقاً، فربما يكون الناشر يعرف الطريق لجلب الانتباه بطريقة او بأخرى, وقد يتّبع نظرية (اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس) فيخلق من نفسه شخصية أسطورية يتم تصديقها من قبل أصحاب النوايا الحسنة. والملاحظ أن أكثر الباحثين عن الشهرة هم ليسوا من أصحاب المواهب والقدرات التي تؤهلهم أن يضعوا قدماً على طريق الشهرة، ولا هم من المتميزين عن أقرانهم، او بما يقدمونه للناس، لذلك فإنهم عاجلاً أم آجلا سيلقون بأنفسهم في التهلكة. يقول جورج برنارد شو: “الانتحار هو الطريقة التي تجعل الإنسان مشهوراً من دون أن يمتلك قدرات.”
حق مشروع
القاص والإعلامي عبد الستار البيضاني تحدث عن هذا الموضوع قائلاً:
أفهم من مفردة (الطشّة) أنها في جوهرها رديف لمفردة (الانتشار)، الذي هو إحدى النتائج المتحققة في عصرنا الراهن للأدباء والفنانين والإعلاميين والسياسيين والشخصيات العامة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا شيء طبيعي، ووظيفة من وظائف هذه الوسائل التي باتت أسهل وأكثر فاعلية من وسائل الإعلام التقليدية. وبهذا يمكننا القول إن من حق الأديب والفنان أن يسوِّق نتاجه وأخباره عبر هذه الوسائل، وهذا في جانب من جوانبه حقّق نوعاً من الحرية والاستقلالية للأدباء والفنانين, وأعتقد أنك باستخدام مفردة (الطشّة) في سؤالك ترمي الى معنى آخر غير الوظيفة الطبيعية لهذه الوسائل، وهذا المعنى ينطوي على احتجاج وسخرية على طريقة الاستعمال وقيمة هذه الشخصيات وقيمة مايسوّقونه عبرها، لأن (الطشّة) هي (الكود) الذي يقودنا الى تفاصيل ووقائع يومية، أي بمعنى أن (الطشّة) هي التي يمكن أن نسميها بلغتنا العامية (حسجة) تؤدي الى معنى مغاير يخرجها عن معناها الحقيقي (الانتشار)، وأعتقد أن الاستعمال التداولي لهذه المفردة بهذا المعنى يعبِّر عن ذكاء (المزاج الشعبي العراقي) الذي يفرِّق بين الحقيقة والوهم، وبهذا أفهم أنك تسأل عن الأخبار والإنجازات والبطولات الوهمية التي يسوّقها البعض من الأدباء والفنانين الذين يحاولون تحقيق الانتشار أو (الطشّة) بوسائل غير وسائل الترويج لنتاجاتهم.
فمن حق الأديب او الفنان أن يروِّج لنتاجاته الإبداعية ونشر أخباره فهو حق مشروع له، وذلك لكي يصل الى جمهوره، لكن أن يبحث عن (الطشّة) -كما تسميها- بدون نتاج فهذا يعبِّر عن الفقر والخواء، كما يكشف عن أمراض البعض في التطفل والكذب والادعاء.
عالمٌ تعويضي
الشاعر حسين القاصد أدلى بدلوه قائلاً:
لم تعد صفحات التواصل الاجتماعي عالماً افتراضياً، بل تحولت إلى عالم تعويضي لبعض الباحثين عن ضوء وهمي او انتشار عبثي، لأن بعض الذين فشلوا في صناعة أسمائهم الإبداعية في أروقة الإبداع الحقيقي أخذوا ينفقون الأموال لتأسيس صفحات مموَّلة توفر لهم عدداً من المتابعين، وبين السلب والإيجاب ظهر مصطلح (الطشّة) وهي نوعان، أفضلهما سيئ ، والآخر أسوأ بكثير، فأما الأول فهو يندرج ضمن الطشّة المبرمجة الخاضعة لهاشتاك موجَّه ومدفوع الثمن، تنفذه مجاميع الجيوش الإلكترونية لتصنع رأياً عاماً ينجذب إليه قليلو التجربة، بينما يسعى أصحاب الطشّة الفردية الى مخالفة السائد، بدءاً من الخوض في كل موضوع دون تخصص ووعي وليس انتهاءً بادعاء العلم في كل شيء. ولقد صار للطشّاشين جمهور واسع ومنهم من صار شاعراً كبيراً ومنهن من صارت رائدة في الأدب العربي، ومنهم من ينتظر… وهكذا صرنا نرى أسماءً كبيرة افتراضاً، ضئيلة في الواقع، تدّعي ماليس لها وتسرق مالغيرها وتنسف من يعرّيها ويفضحها معتمدة على سرب من الطشّاشين الثانويين .
هوسُ الشهرة
الفنان كاظم القريشي تحدث عن الموضوع قائلاً:
نعم، هذا الموضوع انسحب ليس على الفنانين والفنانات والإعلاميين فقط وإنما على عامة الناس، وخصوصاً الشباب من الذين يمتلكون بعض المواهب والقدرات التي يطمحون من خلالها للحصول على بعض الفرص للعمل، وقد نجح البعض في إثبات الذات وحقق أشياء لم يكن ليحققها لولا هذه (الطشّة)، وأعتقد جازماً أن البعض لايهتم حتى لو كانت هذه الأمور تتحقق عن طريق غير مشروع ويمسّ السمعة. الشهرة بحد ذاتها شيء محبّب للنفس البشرية، وبالتالي تحوَّل هوس الشهرة الى مشهد ممل يتكرر أمامنا كل يوم في فضاءات الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي حتى أفرز لنا جيلاً مهووساً بالظهور والأضواء والفلاشات. وهذا العرض المستمر لجذب الاهتمام، بصرف النظر عن جودة المحتوى المقدم، يدفعنا إلى التساؤل حول الأمر، فهل هو حدث عارض صنعته وسائل التواصل، أم هي شهوات للذات خدمها فيسبوك وأقرانه؟ بالنهاية أجد أن هذا الموضوع سلاحٌ ذو حدّين.