علِّموا أجيالَنا الشبابيّة صناعة المشاريع

828

جواد غلوم /

كثيراً ما نقرأ ونسمع تذمّراً من جيلنا الشبابي الحالي، وخاصةً الطلبة الذين أنهوا تحصيلهم الجامعي وظلوا عاطلين عن العمل والأمل، أنهم لم يحصلوا على الوظائف التي تُعينهم على مواصلة حياتهم بالعمل الوظيفي وتحقيق مطالبهم في تهيئة المكان المناسب لهم إذْ يعوّلون على الدولة وحدها في تلبية الوظيفة المناسبة.
هذه الحالة السقيمة في التعكّز على الدولة والاستنجاد بها كثيرا ما تحدّ الشباب وتضيّق عقولهم وتُلغي أي طموح في الإبداع والابتكار وصناعة استثمار مالي ذاتي وخلق رأسمال مقبل يبعث السعادة فيهم ويحقق ثمرات الجهد الذي أنتجته عقولهم بحيث يعتادون على العجز والتراخي وفقدان الهمّة والحافز في ابتكار الحلول وإيجاد العمل المناسب ؛ فليس الحصول على الوظيفة المناسبة هو المنال الوحيد لديمومة الحياة والارتزاق منها لمواصلة العيش، بل أنها (الوظيفة) تكون أوهن التمنيات وأضعف المطالب أمام مساعي الشباب المبتكر الذي يخلق الوظائف بنفسه ويجد الحلّ الأمثل لصناعة مشروع اقتصادي وصناعي وزراعي أو تقني مهما كان صغيراً أول مرة ويتقنه بنفسه طالما امتلك العقل وحفّزته الحاجة.
فالشباب اليوم لم يعد كما في السابق همّه الابتكار وخلق المشاريع وتجسيدها تجارياً لتحقيق أعلى الأرباح والثروات والمراكز الاقتصادية لو تسلحوا بالنشاط وأبعدوا الكسل ورموا الإهمال جانباً، وكيل اللوم على الدولة والآخرين باعتبارهم السبب الرئيس في خلق البطالة كما يتوهم الواهنون الضعفاء.
يلاحظ الآن أنك أيها الخريج العاطل لو خيّرت الناس بين الراتب الشهري المحدود وبين الخوض في مشروع تجاري او صناعي او زراعي أو تقني في عالم السوشيال ميديا على سبيل المثال لا الحصر؛ فسوف ترى أن الأغلبية ستختار الراتب الشهري ويتناسون أن المشروع المبتكر الخلاّق سيجلب نقودا أكثر ومنزلة أكبر من المرتّب مع تغيير الحياة المعيشية المحدودة المرتّب وتتحول من بائسة الى رغيدة مرفهة إذا أبعدنا الكسل واللامبالاة وأعدنا إيقاظ الإرادة النائمة في الإنسان وتشغيل العقل البشري وتحفيزه على الخلق والإبداع وفتح المسالك الإبداعية المغلقة فيه من أجل ولادة ابتكارات ونمطيات تشغيل جديدة ومبتكرة وتهيئة الفرص المناسبة للتجديد بدل التقليد.
قد يصح القول إن المرتّب الشهري المنتظم ربما يمنع الفقر، لكنه محال أن يجعل الموظف غنياً موسراً مهما طالت خدمته الوظيفية باستثناء الموظفين الفاسدين الطامعين فاقدي المروءة ومنزوعي الخلق القويم الذين أضحوا يتكاثرون هذه الأيام بشكل مخيف ومقلق وهذا ما لا نريده لجيلنا المقبل.
هناك فكرة سائدة لدى عموم المجتمع عندنا بأن الطالب الذي يتعلم في المدارس ويُنهي تحصيله الجامعي يسعى اول تخرجه الى أن يجد وظيفة ويتقاضى راتباً دون أن يفكّر يوماً أنه من الأفضل أن يعمل لنفسه ويكون هو السيد وربّ العمل والمنتج والمدير لمشروعه الذي ابتكره.
ففي العالم المتمدن الآن لا يعوّل الإنسان على الدولة في إيجاد وظائف مناسبة للخريجين؛ مع أن عليها أن تقديم ما تقدر عليه لتحفيز الشباب على الخلق والابتكار لإيجاد مصدر الرزق المناسب من خلال تسليفه مالاً كافياً ودفعه للأمام وتحفيزه ورعايته ليؤمن ترتيب عمله المقبل وزجّه في مراكز الرعاية العلمية وتنشيط عقله، وهنا على العقل أن يبتكر ويبحث عن مخرج وعلى الإرادة أن تنشط وتفعل فعلها المكين لإيجاد وابتكار عمل معين ووضع أساس مشروع مبتكَر وما على المؤسسات الحكومية والبنوك إلا تقديم الدعم المالي لمواصلة الشباب في تجسيد أفكارهم الابتكارية وجعلها واقعاً على الأرض. ولعمري هذا هو المسعى الأهم في رعاية الموهوبين صانعي الحياة بأيديهم دون التعكز على الدولة.