الراقصة والناقد

656

جمعة اللامي /

“إن الفكرة القوية، توصل قليلاً من قوتها،
حتى الى المُعارض”
(مارسيل بروست)

بين آن ولحظة أعود الى كتاب الراقصة الأميركية إيزادورا دنكان، الذي عنوانه: “حياتي”، لأنه حياة فعلاً. وأتوقف عند حديثها عن الناقد الذي كان يتحدث عن “الموسيقا المرئية” التي رقصتها. ولمناسبة ذكر هذه العادة القديمة، أذكر أيضاً أنني مدمن على قراءة الإعلانات القصيرة، وإعلانات بيع السيارات، وبيع الأواني النحاسية، والأنتيكات، وكذلك إعلانات بيع بعض الأشياء الأثيرة لدى البشر.
وفي وسائل الإعلام العربية إعلانات عن بيع أنواع جديدة ومبتكرة لقطع من الجسد، والأراضي، والذكريات والأوطان.
وهناك من يعرض عليك تأجير أشياء خاصة لديك، الى شخص آخر مقابل تعويض مادي مجز.
ومن أطرف ما صادفني، وأنا في غربتي بين الأعراب، ما عرضه عليَّ شخص ميسور الحال، قال: “أعرني (ذاكرة المستقبل) لمدة سنة واحدةً، وسوف أجزيك مقابلها أطناناً من الذهب الأسود”.
طبعاً، اعتذرت للرجل، وقلت له: “عليك بالذهاب الى الجزء الرابع من “الموسوعة العربية الميسّرة”، وتدخل على حرف “ك”، ثم تذهب الى عبارة: “كاتب العمود”، فلعلّك تجد بغيتك في مكان آخر غير (ذاكرة المستقبل). قال الرجل: “لكنه الإعلان يا صديقي؟” وقلت له أيضاً إن “الموسوعة العربية الميسّرة”، تقول إن كاتب العمود هو “الصحافي الذي يتولى كتابة عمود ما في صحيفة أو مجلة، وهو يوقع العمود باسمه الصريح أو المستعار. وله أن يعرض فيه ما يعنّ له من رأي أو فكرة أو خاطرة، دون ان يتقيد في ذلك بسياسة الصحيفة أو اتجاهها.. الخ”.
تقول دنكان في الصفحة الرابعة من مقدمة كتابها الذي نشر باللغة العربية سنة 1964 بدمشق عن (دار اليقظة العربية)، إنها كانت معنية بأن تدعو ناقداً ألمانياً ليجلس في الصفوف الأمامية أثناء قيامها بإحدى رقصاتها المثيرة للأحاسيس المرهفة والنبيلة، وجاء وجلس هناك على طاولة الشاي، فألقمته خطاباً، دام ساعة ونصف الساعة، عن الحركات المرئية التي تخلقها الموسيقا، ورأيت أنه رجل أكثر ما يكون خرفاً وركاكة، ولكن كم تأجج في نفسي الفزع عندما أخرج من جيبه سماعة، وأخبرني انه أصم تماماً.
نرجوكم، يا (أصحاب النعمة المحدثين) اُتركونا في حالنا.