سامي عبد الحميد يترجّل عن صهوة المسرح العراقي
محسن إبراهيم /
مسرحٌ مقفر قبل غيابه، فكيف به بعد رحيله؟ الكبار لايرحلون وإنما يتركون آثاراً لهم تستدل بها أجيال قادمة.. سامي عبد الحميد الذي أغنى المسرح كتابة وتمثيلاً، جعل من الخشبة مدرسة ومن المسرح منهجية معالجاً هموم ومعاناة الفئات المسحوقة من المجتمع العراقي، فضلاً عن أسلوبه النقدي في تناول الموضوعات. لعبد الحميد فضلٌ كبير في حداثة المسرح العراقي، تمثيلاً وإخراجاً وتأليفاً واقتباساً.
ومن خلال انتمائه لفرقة الفن الحديث عام 1951 أطلق مواهب فنية وقامات كبيرة وكتب عشرات المسرحيات والبحوث المسرحية وشارك في العديد من الأعمال السينمائية والتلفزيونية.
بعد تاريخ طويل موغل بالعطاء بقي عبد الحميد في صراع طويل مع المرض. و في صمت مهيب، يتكئ بمرفقيه على تاريخ طويل غارقاً بين أوراقه المبعثرة وعيناه مفتوحتان على خشبة المسرح وهو يعيد مشهد صورة طالما أحبها، فتهاوى الجسد كورقة خريف فيما ذكرياته تنزلق بين يديه مذعورة وظلّه يرنو إليه بدهشة, أغمض العين وهام في عمق مسرح الحياة، أشيائه، طلابه، تاريخه الفني. سامي عبد الحميد، كان هنا يرسم على خارطة الفن لوحة دافئة، من المسرح كانت البداية والنهاية.
بعيداً عن أرض الوطن رحل المسرحي الكبير سامي عبد الحميد عن عمر ناهز الـ 91 عاماً في المملكة الأردنية بعد صراع طويل مع المرض إذ وافته المنية أثناء رحلة علاجه. برحيله فقد المسرح العراقي والعربي رمزاً من رموز الفن, فقد وهب الراحل حياته للتعليم والإخراج والتمثيل في المسرح الذي عشقه الأول والأخير، تخرجت على يديه أجيال كثيرة، فهو رائد المسرح وأستاذ كبير في كلية الفنون الجميلة, نخلة عراقية باسقة وصرح عملاق وطاقة إبداعية أثرت المسرح بالعديد من الأعمال.
مشوار العطاء
سامي عبد الحميد المولود في العام 1928 في محافظة السماوة، أستاذ متمرس في العلوم المسرحية بكلية الفنون الجميلة جامعة بغداد. حاصل على شهادة ليسانس الحقوق ودبلوم الأكاديمية الملكية في لندن لفنون الدراما وماجستير العلوم المسرحية من جامعة أوريغون في الولايات المتحدة. شغل الراحل العديد من المناصب منها رئيس اتحاد المسرحيين العرب وعضو لجنة المسرح العراقي وعضو المركز العراقي للمسرح ونقيب الفنانين العراقيين. ألّف العديد من الكتب التي تخص الفن المسرحي منها: فن التمثيل، وفن الإلقاء, وفن الإخراج، فضلاً عن ترجمته العديد من الكتب منها: العناصر الأساسية لإخراج المسرحية لألكسندر دين، وتصميم الحركة لأوكسفورد، والمكان الخالي لبروك، إضافة الى كتابته العشرات من البحوث أهمها: صدى الاتجاهات المعاصرة في المسرح العربي, العربية الفصحى والعرض المسرحي, الملامح العربية في مسرح شكسبير.
شارك في مهرجانات مسرحية عديدة ممثلاً ومخرجاً منها: مهرجان قرطاج، ومهرجان المسرح الأردني، ومهرجان ربيع المسرح في المغرب ومهرجان كونفرسانو في إيطاليا ومهرجان جامعات الخليج العربي وأيام الشارقة المسرحية.
حصل الراحل على جوائز كثيرة وأوسمة عديدة أهمها جائزة التتويج من مهرجان قرطاج، ووسام الثقافة التونسي من رئيس جمهورية تونس، وجائزة الإبداع من وزارة الثقافة والإعلام العراقية، وجائزة أفضل ممثل في مهرجان بغداد للمسرح العربي الأول. من أشهر أعماله الإخراجية المسرحية: ثورة الزنج، وملحمة كلكامش، وبيت برنارد ألبا، وأنتيغوني، والمفتاح، وفي انتظار غودو، وعطيل في المطبخ، وهاملت عربياً، والزنوج، والقرد كثيف الشعر. اما في السينما فقد شارك الراحل في العديد من الأفلام السينمائية منها فيلم (من المسؤول؟ – 1956) فيلم (نبوخذ نصر 1962) وهو أول فيلم عراقي ملون, وفيلم (المنعطف 1975)، وفيلم (الأسوار 1979)، وفيلم (المسألة الكبرى (1982), وفيلم (الفارس والجبل 1987)، وفيلم (كرنتينا) للمخرج عدي رشيد.
وفي مجال المسرح كانت له بصمة واضحة في العديد من الأعمال المسرحية: مسرحية (النخلة والجيران) ومسرحية (بغداد الأزل بين الجدِّ والهزل) للمخرج المسرحي الراحل قاسم محمد، ومسرحية (الإنسان الطيب) للمخرج المسرحي الراحل عوني كرومي، ومسرحية (انسو هيروسترات) لمؤلفها العالمي غريغوري غورين – إخراج فاضل خليل، ومسرحية (قمر من دم) إخراج فاضل خليل، ومسرحية (غربة) إخراج كريم خنجر.