فضيحة نوبل
عبد الله صخي /
بمنحها جائزة نوبل في حقل الأدب للكاتب النمساوي بيتر هاندكه، وضعت الأكاديمية السويدية نفسها أمام انحراف الهدف الذي قامت من أجله تلك الجائزة التقديرية الرفيعة، ودفعت الكثيرين، حتى من خارج الأوساط الثقافية، إلى التشكيك بمصداقية الجائزة التي تهبها كل عام. اليوم يأتي تقدير كاتب عنصري بذلك الوسام الأدبي الرفيع بعد أن مرت الأكاديمية السويدية بفضيحة أخلاقية اضطرت على إثرها إلى حجب جائزة الأدب للعام الماضي 2018 وذلك للمرة الأولى منذ نحو سبعين عاماً، كانت فضيحة اعتداء جنسي أدت إلى استقالة عدد من أعضاء مجلس الأكاديمية. أما فضيحة العام الحالي فتتمثل بمنح الجائزة لكاتب عنصري تجلى موقفه المعادي للإنسانية عند اندلاع حرب البلقان بدعمه الموقف الصربي، وزيارته ساحة المعارك عام 1995، بعد أشهر من مذبحة سربرنيتسا التي راح ضحيتها قرابة ثمانية آلاف مسلم، إضافة إلى نزوح عشرات الآلاف من المدنيين المسلمين هرباً من الموت. بعدها أصدر كتابا عنوانه “رحلة شتوية نحو أنهار الدانوب والسافا والمورافا والدرينا” طالب فيه بإنصاف الصرب، لأنهم “كانوا يدافعون عن أنفسهم”.
قوبلت تصريحات هاندكه باستنكار واسع النطاق، فالباكستاني سلمان رشدي أطلق عليه صفة “وغد العام العالمي”. الأميركية سوزان سونتاغ قالت إنها لن تقرأ بعد اليوم كتاباً واحداً لهذا النمساوي. إن هاندكه لا يسمع أحدا سوى نفسه إذ حضر تشييع ميلوسيفيتش المتهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية. إد فوليامي، الصحافي البريطاني، اعتبر أن هاندكه كان يكذب في قضية البلقان، في وقت كانت القبور الجماعية تكتشف أمام العالم. أقوال هاندكه تزوير أمام حقيقة جثث الضحايا.
الكاتب البريطاني هاري كنزرو، الذي كان قد درّس أدب هاندكه لطلابه، رآه “كاتباً جيداً يجمع بين التبصر العميق مع العمى الأخلاقي الصادم”. كاتب جيد؟ نعم، لكنه يفتقد إلى عنصر مهم جداً في الكتابة وهو الضمير الإنساني. كان إزرا باوند شاعراً كبيراً، لكنه خسر ملايين القراء عندما دافع عن الفاشية الإيطالية.
الأكاديمية السويدية فقدت مصداقيتها وفقدت الثقة بها وبمواقفها لدى الكثير من الأدباء في العالم الذين يلتقون مع هدف الجائزة الأساسي وهو الدفاع عن الكرامة البشرية عبر أداء أدبي يدافع عن القيم الفكرية والحضارية في كل أنحاء العالم.