افكار منوعة

880

حسن العاني  /

* انت تؤمن بوجهة النظر الأميركية وتدافع عنها، وأنا لا أمتلك صلاحية مصادرة رأيك، ولكنني أمتلك الحق في دعوتك الى حزم حقائبك لكي تقاتل (هناك) مع أميركا ضد إيران.
* وأنت تؤمن بوجهة النظر الإيرانية وتدافع عنها، وأنا لا أمتلك صلاحية مصادرة رأيك، ولكنني أمتلك الحق في دعوتك الى حزم حقائبك لكي تقاتل (هناك) مع إيران ضد أميركا.
* البغداديون الذين ولدت بينهم وترعرعت وكبرت وعرفتهم منذ طفولتي عن قرب، وكذلك العراقيون بلا استثناء، ناسٌ وديعون مسالمون كرماء طيبون، يتحلون بخلق رفيع وأدب جم، وقد انعكس هذا التكوين النبيل على سلوكهم ولهجاتهم ومصطلحاتهم اللغوية، تسأل الواحد منهم وأنت تزوره في بيته لتعرّضه الى وعكة صحية [شلون الصحة أبو فلان]، فلا يحدثك عن معاناته مع المرض، ورحلته المضنية بين المستشفيات وغياب العناية الطبية وشحة الدواء و”الإبرة” التي لا يحصل عليها إلا برشوة، و”الكانونة” التي لا توضع بيده إلا بثمن، والعلاجات التي يشتريها برغم أنفه من الصيدليات الخارجية، بل يقول لك “الحمد لله” بلهجة مطمئنة، ثم يعاتبك لأنك “كلّفت” نفسك وتحمّلت عناء الزيارة، وتسأله عن طبيعة مرضه، فيرد عليك بمنتهى الذوق [بعيد عنك.. شويه متاعب بالقلب]، لاحظوا كيف يستعمل مصطلح “بعيد عنك” في بداية ردّه استعمالاً جميلاً فيه دلالة أخلاقية عظيمة، لا تقلّ جمالاً وأخلاقاً عن آخر تعرض منزله الى حريق، وحين يواسيه صديقه أو جاره، لا يتحدث عن الكارثة التي تعرض لها، الا بعد أن يبدأ كلامه بتعبير أخلاقي على غرار [الله يكفيك الشر] أو [بعيد عن السامعين] أو [اسم الله عليك]، وغير ذلك الكثير من المصطلحات والتعابير التي تبدو وكأنها تعويذة تقي “المقابل” من كل سوء ومكروه، وهذا من دون شك أدب رفيع من آداب التخاطب التي يتحلى بها العراقيون.
* منذ عقود بعيدة وأنا أنبّه الى ملاحظة بالغة الأهمية –لا تزال قائمة مع الأسف- على الوفود الرسمية التي تمثل العراق في المحافل والنشاطات الخارجية، حيث لا يصح أن (يتشكّل) الوفد وخاصة رئيسه، تحت تأثير وساطة أو انتماء حزبي أو محاصصة، ذلك لأن وجودنا في تلك الأماكن وتلك الفعاليات، يعني وجود الوطن وشخصيته وهويته، وقد كتبت غير مرّة، ودعوت الى ضرورة الاختبار النوعي للأشخاص، وفي المقدمة منهم رئيس الوفد، لأنه في الواجهة، وهو في العادة من يقود الحديث والتفاوض وأية فعالية أخرى.
في عام 2006 على ما أذكر، كان الوضع الداخلي يشهد موجة عنف طائفية فجّرتها الكلاب المسعورة الطارئة على وحدة العراقيين المتينة، ولا أنسى أبداً أنني كنت ضمن وفد رسمي رفيع المستوى (جاءت مشاركتي في الوفد بسبب خطأ غير مقصود في تشابه الأسماء بيني وبين شخص آخر كان يرأس وفداً متوجهاً الى الهند) في زيارة الى صوفيا (يسمونها هناك سوفيا من باب الدلال على ما يبدو) وذلك لحضور المهرجان الدولي للشباب الذي يعقد كل أربع سنوات، وبالطبع كانت معنا عشرات الوفود الأخرى من شتى بلدان العالم، وقد عمد المشرفون على حفل الافتتاح الى فقرة غاية في الطرافة والإمتاع وإغناء المعرفة، تقضي بأن يرتقي رئيسُ كل وفد المنصة ويقدم بلاده بأبرز شيء يرمز اليها، وهكذا صعد الفرنسي وقال [متحف اللوفر.. نحن من فرنسا]، وقدّم غيره جسر لندن أو إهرامات مصر أو برج بيزا أو تمثال الحرية أو السور العظيم.. الخ وكان التصفيق يتعالى مع كل اسم جديد.
كان رئيس وفدنا، ابن الخامسة والستين عاماً، إنساناً طيباً، شبه أمي، ومفروضاً على الوفد بإرادة حزبه، ولذلك سارعتُ واقترحت عليه أن يقدم العراق باسم الحرف المسماري أو ألف ليلة وليلة.. الخ، ولكنه لم يعرني بالاً، وحين ارتقى المنصة قال [بعيد عنكم نحن من العراق]، وتعالى التصفيق الى عنان السماء من باب الاحترام للعراق وتاريخه المجيد، وهم يظنون بأن عبارة (بعيد عنكم) قد تعني مسلة حمورابي باللغة البابلية..!