قتيبة الجنابي: لست مخرجَ مقاولات ولا أنحني لطلبات المنتج!
قحطان جاسم جواد /
لمخرج العراقي”قتيبة الجنابي” حلّق عالمياً عبر أفلامه المهمة التي ناقش فيها النزوح والغربة والمنفى بحكم تجربته في المنفى منذ أكثر من ثلاثين عاماً. كما تميزت أفلامه بسينما المؤلف المخرج لأنه يعشق العمل بنفسه حتى يتحكم بالفيلم واتجاهاته الفكرية، فضلاً عن التصوير بنفسه أيضاً.
أبرز أعماله الروائية فيلم “الرحيل إلى بغداد”، الحائز على أكثر من جائزة فنية منها جائزة “رينداس البريطانية”، اوأخرى من مهرجان “الخليج السينمائي”، ومهرجان “موناكو”، وأدرج ضمن أفلام السينما من أجل السلام. حصل على جائزة أفضل تصوير من مهرجاني “المجر” والفيلم العربي السينمائيين. من أعماله الأخرى (أرض الخراب من لندن إلى بغداد) و(شتاء الحب) و(لعبة الحسية) و(الرجل الذي لايعرف السكون) و(عكس الضوء) و(الأرض الحرام)، وأخيراً فيلمه (قصص العابرين) الذي حصد جائزة أفضل فيلم روائي تجريبي من فعاليات جائزة لندن السينمائية الدولية. “مجلة الشبكة” حاورت هذا المخرج العالمي وتوقفت عند أبرز محطاته وـفكاره السينمائية.
رجل الخشب
*ما جديدك في السينما؟
– أنجزت تصوير فيلمي الروائي الجديد “رجل الخشب” وأكملت المونتاج فيه.
*أيهما أفضل وأكثر تأثيراً في المتلقي: الأفلام التي تستمد موضوعاتها من الواقع أم تلك التي تعتمد الخيال؟
– أحب الأفلام التي تقترب من الواقع بشدة، كما أود أن تكون أفلامي منطلقة من تجارب شخصية عشتها من قريب أو بعيد عن شخصيات أعرفهم ولامست أحاسيسهم. هكذا أنا مع سينما الواقع أحاول أن أجذب المتلقي إلى عالمي الخاص، لأني أنطلق دائماً من الخاص إلى العام، لهذا ترى أفلامي قريبة مني.
*هل تؤمن بأن الجوائز العربية والدولية هي لعبة وذات أهداف سياسية معينة، وهل عانيت من ذلك؟
-الجوائز شيء جميل وتساعد السينمائي والفيلم على الانتشار، وجميع المخرجين يعانون في المهرجانات من تفضيل فيلم آخرعن منجزهم لسبب ما، لأن هنالك اعتبارات كثيرة لتوزيع الجوائز، ولا أجد حلاً لهذه المعضلة الا بالاستمرار والعمل.
سينما المؤلف
*هل أن أفلامك التي تكتبها وتخرجها بنفسك أفضل، أم تلك التي تعتمد نصوص الأخرى؟
– أنا مع سينما المؤلف وأحب أن اكتب أفلامي بنفسي، لكني لا أتزمّت في ذلك، وإذا أعجبني نص لكاتب آخر أتفاعل معه، لكن بشرط أن أجد نفسي فيه ويدفعني لأن أتفرغ سنوات عدة من حياتي للتفاعل معه لإنجازه.
* المخرج هو مؤلف ثانٍ للعمل، فكيف الحال إذا كان المؤلف والمخرج نفسه؟
– عندها تكون المتعة أكبر، ولاسيما إذا كان المخرج يمتلك رؤية سينمائية لكي يسيطر على الفعل الدرامي للعمل السينمائي، وكذلك المنحى التنفيذي، ويكون هناك تكامل بين النص المكتوب والتصوير أي التنفيذ ثم المونتاج لخلق الحبكة البصرية الجيدة.
الأفكار والتمويل
* مالقضية التي تبغي تحقيقها في أفلامك؟
– بالتأكيد هناك طموحات وأفكار وأحاسيس وحكايات كثيرة تراودني وتقلقني وأود أن أقولها وأقترب منها وأترجمها على الشاشة الكبيرة، وهنالك أفكارتتطلب موازنات ضخمة، مع الأسف لم أوفق بها لحد الآن. لكني مازلت أسعى وأحاول ولن أتوقف عن تصوير الأفلام وإنتاجها على الرغم من المعوقات التمويلية.
*هل من حق المخرج أن يغير أفكار الشخصيات كما وردت في الرواية المأخوذ عنها الفيلم، أم يجب الالتزام بها كما وردت في النص الأصلي؟
– أعتقد أن الفيلم يختلف عن النص الأدبي، لأن النص الأدبي هو أحد الأدوات بيد المخرج لتجسيد الحكاية على الشاشة، بينما الفعل الدرامي المكتوب مرات عديدة لا يمكن أن ينفذ بكل حذافيره، ويمكن للمخرج أن يجد حلولاً إبداعية أكثر وضوحاً وجمالية مما هو موجود في النص الأدبي.
* هل تقبل مشاركة المؤلف في اختياره للممثلين في الفيلم، ولاسيما أنه صانعها على الورق؟
– ممكن جداً، ويجب أن يكون هناك تناغم وتفاهم، لكن على الكاتب أن يتفهم ماهية المخرج السينمائي لأن الفيلم جنس آخر غير جنس النص الأدبي.
لستُ مخرجَ مقاولات!
*هل تخضع لمنطق ومصالح المنتج التي قد لاتتفق معها؟
-لا أعرف، فكل فيلم له خصوصيته وطريقة بنائه، لكن يجب أن يكون هناك تقارب بين المخرج والمنتج بالبحث عن بطل الفيلم، وإذا استسلم المخرج لكل شيء مع المنتج يتحول إلى مخرج مقاولات! وأنا لا أحتاج العمل في مثل هذا النوع من السينما.
*هل تعتقد بوجود مدرسة إخراجية عربية، أم أن مدرستنا الإخراجية العربية هي صدى لمدارس إخراجية أوروبية؟
-الفيلم والسينما تم اختراعهما ونشأتهما في أوروبا وأميركا، وتطورا وتواجدا في أوروبا، ونحن العرب تاثرنا بهما وتعلمنا في مدارسهما، وهكذا استمرالحال، لكن مع السنين أصبحت السينما متنوعة المناهج والاتجاهات وبدأ المخرجون والسينمائيون يكوّنون لغتهم الخاصة بعيداً عن الموقع الجغرافي، وتحول العالم إلى قرية صغيرة ممكن فيها أن نؤثر ونتأثر من تجارب بعضنا مع البعض الآخر، ولابد من تبلور تجربة خاصة بنا نحن العرب.
خطط الإنتاج مرحلية
* نسمع أحياناً أن مخرجاً ما يمارس سطوته وهيمنته على الممثل، بحيث يغدو الممثل نسخة متطابقة لتطلعات المخرج وتصوراته، إلى أي مدى تمنح الممثل حرية التفكير والتحليق في فضاءات النص؟
-الممثل لديه أحاسيس وتطلعات أيضا، ولو تجرد الممثل منها لتحول إلى روبوت أو إنسان آلي، إن عملية اختيار الممثلين للأدوار من أصعب وأطول المراحل في عموم الفيلم، وإذا كان الاختيار صحيحاً تصبح عملية الإنتاج والتصوير سهلة وممتعة للجميع، وإذا ما حدث العكس يتحول العمل الى دمار للجميع.. أنا مع الممثل المبدع الذي يضيف للعمل فسحة جمالية عبر أدائه.
*هناك من يقول إنه لا توجد سينما عراقية بل أن هناك أفلاماً عراقية.. كيف تنظرالى ذلك؟
– مع الأسف المقولة صحيحة تماماً، لأننا لم نكوّن سينما عراقية، ولأن السينما صناعة ومدارس ومعاهد فنية وأجهزة ودورعرض وحرية تعبير، كل الذي لدينا مغامرون يطمحون أن ينتجوا فيلماً ما، وكل ما أنتج في السابق البعيد والقريب كان فورات من مؤسسات الدولة، ولم يمتلك عجلة الاستمرار، ولم يخلق تراكم خبرات، لهذا تجد الإنتاج لدينا وبدون خطة ويعتمد علئ همة المخرج وطاقم العمل.
* كيف تنظر إلى سينما الشباب اليوم؟
-شيء مفرح ما ينجزه شباب السينما في العراق وتحية لهم، رغم أن محاولاتهم فردية وبلا دعم حكومي، دائماً أجد أن هناك شباباً وحركة ومتشوقين لأن يقدموا حكاياتهم بصرياً.